فصل
قال الفخر :
﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه يمكن أن يقال : هذه الآية من بقية أحكام الجهاد، ويمكن أن يقال : إنها كلام مبتدأ لا تعلق لها بالجهاد.
أما الاحتمال الأول : نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه السلام كان إذا خرج إلى الغزو لم يتخلف عنه إلا منافق أو صاحب عُذر.
فلما بالغ الله سبحانه في عيوب المنافقين في غزوة تبوك قال المؤمنون : والله لا نتخلف عن شيء من الغزوات مع الرسول عليه السلام ولا عن سرية.
فلما قدم الرسول عليه السلام المدينة، وأرسل السرايا إلى الكفار، نفر المسلمون جميعاً إلى الغزو وتركوه وحده بالمدينة، فنزلت هذه الآية.
والمعنى : أنه لا يجوز للمؤمنين أن ينفروا بكليتهم إلى الغزو والجهاد، بل يجب أن يصيروا طائفتين.
تبقى طائفة في خدمة الرسول، وتنفر طائفة أخرى إلى الغزو، وذلك لأن الإسلام في ذلك الوقت كان محتاجاً إلى الغزو والجهاد وقهر الكفار، وأيضاً كانت التكاليف تحدث والشرائع تنزل، وكان بالمسلمين حاجة إلى من يكون مقيماً بحضرة الرسول عليه السلام فيتعلم تلك الشرائع، ويحفظ تلك التكاليف ويبلغها إلى الغائبين.
فثبت أن في ذلك الوقت كان الواجب انقسام أصحاب رسول الله ﷺ إلى قسمين، أحد القسمين ينفرون إلى الغزو والجهاد، والثاني : يكونون مقيمين بحضرة الرسول، فالطائفة النافرة إلى الغزو يكونون نائبين عن المقيمين في الغزو، والطائفة المقيمة يكونون نائبين عن النافرين، في التفقه، وبهذا الطريق يتم أمر الدين بهاتين الطائفتين.