قُلْنَا : يَا مَعْشَرَ الطَّالِبِينَ لِلْعِلْمِ، مَا نَقَمَ قَطُّ عَلَى عُثْمَانَ شَيْءٌ إلَّا خَرَجَ مِنْهُ كَالشِّهَابِ، وَأَنْبَأَ أَنَّهُ أَتَاهُ بِعِلْمٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُقْسِطِ، وَعِنْدَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا قَالَ وَبَلَغَ عُثْمَانُ : قَالَ عُثْمَانُ : مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، يَدْعُو النَّاسَ إلَى الْخِلَافِ وَالشُّبْهَةِ، وَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَمْ أُوَلِّهِ نَسْخَ الْقُرْآنِ، وَقَدَّمْت زَيْدًا عَلَيْهِ، فَهَلَّا غَضِبَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ قَدَّمَا زَيْدًا لِكِتَابَتِهِ وَتَرَكَاهُ، إنَّمَا اتَّبَعْت أَنَا أَمْرَهُمَا، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا حَسَّنَ قَوْلَ عُثْمَانَ وَعَابَ ابْنَ مَسْعُودٍ.
وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا، وَقَدْ أَبَى اللَّهُ أَنْ يُبْقِيَ لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ أَثَرًا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَرَاجَعَ أَصْحَابَهُ فِي الِاتِّبَاعِ لِمُصْحَفِ عُثْمَانَ وَالْقِرَاءَةِ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : فَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ بَعْدَ رَبْطِ الْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ وَضَبْطِ الْقُرْآنِ بِالتَّقْيِيدِ.
قُلْنَا : إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِلتَّوْسِعَةِ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ فِيهَا، وَرَحِمَ بِهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَقْرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، وَأَخَذَ كُلُّ صَاحِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَرْفًا أَوْ جُمْلَةً مِنْهَا.


الصفحة التالية
Icon