وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ لقد جاءكم ﴾
مخاطبة للعرب في قول الجمهور وهذا على جهة تعديد النعمة عليهم في ذلك، إذ جاء بلسانهم وبما يفهمونه من الأغراض والفصاحة وشرفوا به غابر الأيام، وقال الزجّاج : هي مخاطبة لجميع العالم، والمعنى لقد جاءكم رسول من البشر والأول أصوب، وقوله ﴿ من أنفسكم ﴾ يقتضي مدحاً لنسب النبي ﷺ وأنه من صميم العرب وشرفها، وينظر إلى هذا المعنى قوله ﷺ :" إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم "، ومنه قوله ﷺ :" إني من نكاح ولست من سفاح " معناه أن نسبه ﷺ إلى آدم عليه السلام لم يكن النسل فيه إلا من من نكاح ولم يكن فيه زنى، وقرأ عبد الله بن قسيط المكي " من أنفَسكم " بفتح الفاء من النفاسة، ورويت عن النبي ﷺ وعن فاطمة رضي الله عنها، ذكر أبو عمرو أن ابن عباس رواها عن النبي ﷺ، وقوله ﴿ ما عنتم ﴾ معناه عنتكم ف ﴿ ما ﴾ مصدرية وهي ابتداء، و﴿ عزيز ﴾ خبر مقدم، ويجوز أن يكون ﴿ ما عنتم ﴾ فاعلاً ب ﴿ عزيز ﴾ و﴿ عزيز ﴾ صفة للرسول، وهذا أصوب من الأول والعنت المشقة وهي هنا لفظة عامة أي ما شق عليكم من كفر وضلال بحسب الحق ومن قتل أو أسار وامتحان بسبب الحق واعتقادكم أيضاً معه، وقال قتادة : المعنى عنت مؤمنيكم.
قال القاضي أبو محمد : وتعميم عنت الجميع أوجه، وقوله :﴿ حريص عليكم ﴾ يريد على إيمانكم وهداكم، وقوله :﴿ رؤوف ﴾ معناه مبالغ في الشفقة، قال أبو عبيدة : الرأفة أرق الرحمة، وقرأ " رؤف " دون مد الأعمش وأهل الكوفة وأبو عمرو. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon