قلنا : في تلك الآية حكى عنهم أنهم ذكروا قولهم :﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إيمانا﴾ وفي هذه الآية حكى عنهم أنهم اكتفوا بنظر بعضهم إلى بعض على سبيل الهزؤ، وطلبوا الفرار.
ثم قال تعالى :﴿صَرَفَ الله قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ واحتج أصحابنا به على أنه تعالى صرفهم عن الإيمان وصدهم عنه وهو صحيح فيه، قال ابن عباس رضي الله عنهما : عن كل رشد وخير وهدى، وقال الحسن : صرف الله قلوبهم وطبع عليها بكفرهم، وقال الزجاج : أضلهم الله تعالى، قالت المعتزلة : لو كان تعالى هو الذي صرفهم عن الإيمان فكيف قال :﴿أنى يُصْرَفُونَ﴾ وكيف عاقبهم على الانصراف عن الإيمان ؟ قال القاضي : ظاهر الآية يدل على أن هذا الصرف عقوبة لهم على انصرافهم، والصرف عن الإيمان لا يكون عقوبة، لأنه لو كان كذلك، لكان كما يجوز أن يأمر أنبياءه بإقامة الحدود، يجوز أن يأمرهم بصرف الناس عن الإيمان.
وتجويز ذلك يؤدي أن لا يوثق بما جاء به الرسول.
ثم قال : هذا الصرف يحتمل وجهين : أحدهما : أنه تعالى صرف قلوبهم بما أورثهم من الغم والكيد.
الثاني : صرفهم عن الألطاف التي يختص بها من آمن واهتدى.
والجواب : أن هذه الوجوه التي ذكرها القاضي ظاهر أنها متكلفة جداً، وأما الوجه الصحيح الذي يشهد بصحته كل عقل سليم، هو أن الفعل يتوقف على حصول الداعي، وإلا لزم رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح، وهو محال.
وحصول ذلك الداعي ليس من العبد وإلا لزم التسلسل، بل هومن الله تعالى.