وعن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ألا أريك الدنيا بما فيها قلت بلى يا رسول اللّه، فأخذ بيدي وأتى إلى واد من أودية المدينة، فإذا مزبلة فيها رءوس الناس وقذرات وخرق بالية وعظام البهائم، فقال يا أبا هريرة هذه الرءوس كانت تحرص حرصكم وتأمل آمالكم، وهي اليوم صارت عظاما بلا جلد ثم هي صائرة عظما رميما، وهذه القذرات ألوان أطعمتهم اكتسبوها من حيث اكتسبوها في الدنيا، فأصبحت والناس يتحامونها، وهذه الخرق البالية رياسهم أصبحت والرياح تصفقها، وهذه العظام عظام رءوس دوابهم التي كانوا ينتجعون عليها أطراف البلاد، فمن كان باكيا على الدنيا فليبك، قال فما برحنا حتى اشتد بكاؤنا.
وروي أن عمر بن الخطاب دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو على سرير من الليف وقد أثر الشريط في جنبيه، فبكى عمر فقال صلى اللّه عليه وسلم ما يبكيك يا عمر ؟ فقال تذكرت كسرى وقيصر وما كانا عليه فيه من سعة الدنيا وأنت رسول اللّه وقد أثر الشريط في جنببك، فقال صلى اللّه عليه وسلم هؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ونحن قوم أخرت لنا طيباتنا،
وقد تمثل عند ما آلت له الخلافة بالآية الآتية الدالة على معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم هذا وذلك أن ضيفا جاءه ذات يوم وأمامه قصعة يأكل منها وبجانبه ضيفان يأكلان على قصعة أخرى، فجلس معه فرأى عظاما وعصبا، فقال ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال هذا الذي ترى إنا إذا ذبحنا الجزور بعثنا بمطايب اللحم إلى آل محمد، والذي يليه للمهاجرين والأنصار، والذي يليه للضيفان، وما بقي من عظم وعصب لعمر وآل عمر، فبهت الرجل ثم قال له عمر اعلم أيها الرجل أنا أعلم بصلاء الجداء منكم، ولكن نتركه لئلا يقال لنا غدا (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) الآية ٢١ من سورة الأحقاف الآتية.


الصفحة التالية
Icon