تحتشد السورة بمشاهد هذا الكون وظواهره، الموحية للفطرة البشرية بحقيقة الألوهية، الدالة على التدبير الحكيم، والقصد المرسوم في بناء هذا الكون وتصريفه، وفي الموافقات المبثوثة فيه لنشأة الحياةوالأحياء، ولحياة الكائن الإنساني وتلبية حاجاته في حياته.. وقضية الألوهية يعرضها القرآن في هذه الصورة الحية الواقعية الموحية ; ولا يعرضها في أسلوب الجدل الفلسفي والمنطق الذهني، والله خالق هذا الكون وخالق هذا الإنسان يعلم - سبحانه - أن بين فطرة هذا الإنسان ومشاهد هذا الكون وأسراره لغة مفهومة ! وتجاوباً أعمق من منطق الذهن البارد الجاف ; وأن هذه الفطرة يكفي أن توجه إلى مشاهد هذا الكون وأسراره ; وأن تستجاش لتستيقظ فيها أجهزة الاستقبال والتلقي ; وأنها عندئذ تهتز وتتفتح وتتلقى وتستجيب.. ومن ثم يكثر خطاب الفطرة البشرية - في القرآن - بهذه اللغة المفهومة.. وهذه نماذج من هذا الخطاب العميق الموحي:
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، يدبر الأمر، ما من شفيع إلا من بعد إذنه. ذلكم الله ربكم فاعبدوه. أفلا تذكرون ؟..
(هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب. ما خلق اللّه ذلك إلا بالحق، يفصل الآيات لقوم يعلمون. إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون)..
(قل: من يرزقكم من السماء والأرض ; أم من يملك السمع والأبصار ؟ ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ؟ ومن يدبر الأمر ؟ فسيقولون الله، فقل: أفلا تتقون ؟ فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ فأنى تصرفون ؟).
(هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا، إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون)..
(قل: انظروا ماذا في السماوات والأرض، وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون)..


الصفحة التالية
Icon