نزلت السورة في هذا الجو. وظاهر من سياقها أنها لحمة واحدة، تواجه واقعا متصلا ; حتى ليصعب تقسيمها إلى قطاعات متميزة. وهذا ما ينفي الرواية التي أخذ بها المشرفون على المصحف الأميري من كون الآيات ٤٠، ٩٤، ٩٥، ٩٦ مدنية.. فهذه الآيات متشابكة مع السياق، وبعضها لا يتسق السياق بدونه أصلا !
والترابط في سياق السورة يوحد بين مطلعها وختامها. فيجيء في المطلع قوله تعالى: (الر تلك آيات الكتاب الحكيم. أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس، وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق، عند ربهم قال الكافرون ! إن هذا لساحر مبين).. ويجيء في الختام: (واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).. فالحديث عن قضية الوحي هو المطلع وهو الختام. كما أنه هو الموضوع المتصل الملتحم بين المطلع والختام.
كذلك يبدو الترابط بين المؤثرات المختلفة في السورة. نذكر مثالا لذلك الرد على استعجالهم بالوعيد، وتهديدهم بأنه يقع بغتة، حيث لا ينفعهم وقتها إيمان ولا توبة.. ثم يجيء القصص بعد ذلك في السورة، مصورا ذلك المشهد بعينه في مصارع الغابرين.
في الرد عليهم يقول: ويقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ قل: لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا، إلا ما شاء الله، لكل أمة أجل، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. قل: أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا، ماذا يستعجل منه المجرمون ؟ أثم إذا ما وقع آمنتم به ؟ آلآن وقد كنتم به تستعجلون ؟! ثم قيل للذين ظلموا: ذوقوا عذاب الخلد، هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون..


الصفحة التالية
Icon