كذلك لا تستقيم حياة البشر إزاء بعضهم البعض بدون استقامة حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية في اعتقادهم وتصورهم، وفي حياتهم وواقعهم.. إن إنسانية الإنسان وكرامته وحريته الحقيقية الكاملة لا يمكن أن تتحقق في ظل اعتقاد أو نظام لا يفرد الله سبحانه بالربوبية والقوامة والحاكمية ; ولا يجعل له وحده حق الهيمنة على حياة الناس في الدنيا والآخرة، في السر والعلانية ; ولا يعترف له وحده بحق التشريع والأمر والحاكمية في كل جانب من جوانب الحياة الإنسانية..
والواقع البشري على مدار التاريخ يثبت هذه الحقيقة ويصدقها. فما من مرة انحرف الناس عن الدينونة لله وحده - اعتقاداً ونظاماً - ودانوا لغير الله من العباد - سواء كانت هذه الدينونة، بالاعتقاد والشعائر أم كانت باتباع الأحكام والشرائع - إلا كانت العاقبة هي فقدانهم لإنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم !
والتفسير الإسلامي للتاريخ ; يرد ذل المحكومين للطواغيت، وسيطرة الطواغيت عليهم، إلى عامل أساسي هو فسوق المحكومين عن دين اللّه، الذي يفرد الله سبحانه بالألوهية، ومن ثم يفرده بالربوبية والسلطان والقوامة والحاكمية. فيقول الله سبحانه عن فرعون وقومه: (ونادى فرعون في قومه قال: يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ؟ أفلا تبصرون ؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ؟ فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب، أو جاء معه الملائكة مقترنين ! فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين).. فيرد استخفاف فرعون لهم إلى أنهم فاسقون. فما يستخف الحاكم الطاغي قومه وهم مؤمنون بالله موحدون ; لا يدينون لسواه بربوبية تزاول القوامة والحاكمية !


الصفحة التالية
Icon