وَتَسْمِيَتِهَا بِالْحَيَوَانِيَّةِ مَعَ شَغَفِ أَكْثَرِهِمْ بِهَا، وَإِنَّمَا تَكُونُ نَقْصًا فِي الْإِنْسَانِ إِذَا سَخَّرَ عَقَلَهُ وَقُوَاهُ لَهَا وَحْدَهَا، حَتَّى يَصْرِفَهُ اشْتِغَالُهُ بِهَا عَنِ اللَّذَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ بِالْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ، وَأَصْلُ هَذَا الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ غُلُوُّ الْهُنُودِ فِي احْتِقَارِ الْجَسَدِ وَتَرْبِيَةِ النَّفْسِ بِالرِّيَاضَةِ وَتَعْذِيبِ الْجَسَدِ، وَتَبِعَهُمْ فِيهِ نُسَّاكُ النَّصَارَى كَمَا تَبِعُوهُمْ فِي عَقِيدَةِ الصَّلْبِ وَالْفِدَاءِ وَالتَّثْلِيثِ، عَلَى أَنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَرِبَ الْخَمْرَ مَعَ تَلَامِيذِهِ لَمَّا وَدَّعَهُمْ فِي الْفِصْحِ وَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي مِنَ الْآنَ لَا أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هَذَا إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي (مَتَّى ٢٦ : ٢٩) وَجَرَى الْيَهُودُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ. وَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِالِاعْتِدَالِ فَأَعْطَى الْإِنْسَانَ جَمِيعَ حُقُوقِهِ، وَطَالَبَهُ بِمَا يَكُونُ بِهَا كَامِلًا فِي إِنْسَانِيَّتِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ جَمِيعِ أَطْرَافِهَا الْعِلْمِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ وَكَشْفِ شُبَهَاتِهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، الَّتِي هِيَ أَجْمَعُ سُوَرِ الْقُرْآنِ لِمَسَائِلِ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَتَوْحِيدِهِ وَالْبَعْثِ وَالرِّسَالَةِ، وَدَحْضِ شُبَهَاتِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهَا ص ٤١٧ - ٤٢٧ ج ٨ ط الْهَيْئَةِ.


الصفحة التالية
Icon