ولما كان في الإيحاء معنى القول، فسره بقوله ﴿أن أنذر الناس﴾ أي عامة، وهم الذين تقدم نداءهم أول البقرة، ما أمامهم من البعث وغيره إن لم يؤمنوا أصلاً أو إيماناً خالصاً ينفي كل معصية صغيرة أو كبيرة وكل هفوة جليلة أو حقيرة على اختلاف الرتب وتباين المقامات ﴿وبشر﴾ أي خص ﴿الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذا الوصف وعملوا تصديقاً لدعواهم له الصالحات، أي من الأعمال اللسانية وغيرها، بالبشارة بقبول حسناتهم وتكفير سيئاتهم والتجاوز عن هفواتهم وترفع درجاتهم كما كان إرسال الرسل قبله وكما هو مقتضى العدل في إثابة الطائع الطائع وعتاب العاصي، والإنذار : الإعلام بما ينبغي أن يحذر منه، والتبشير : التعريف بما فيه السرور، واضاف القدم - الذي هو السابقة بالطاعة - إلى الصدق في قوله تعالى موصلاً لفعل البشارة إلى المبشر به دون حرف جر :﴿أن لهم﴾ أي خاصة ﴿قدم صدق﴾ أي أعمالاً حقة ثابته قدموها لأنفسهم صدقوا فيها وأخلصوا فيما يسّروا له لأنهم خلقوا له وكان مما يسعى إليه بالأقدام، وزاد في البشارة بقوله :﴿عند ربهم﴾ ففي إضافة القدم تنبيه على أنه يجب أن يخلص له الطاعة كإخلاص الصدق من شوائب الكذب، وفي التعبير بصفة الإحسان إشارة إلى المضاعفة.