ثم إنه كان أمياً لم يخالط أهل الأديان، وما قرأ كتاباً أصلاً ألبتة، ثم إنه مع ذلك يتلو عليهم أقاصيصهم ويخبرهم عن وقائعهم، وذلك يدل على كونه / صادقاً مصدقاً من عند الله، ويزيل التعجب، وهو من قوله :﴿هُوَ الذى بَعَثَ فِى الاميين رَسُولاً مّنْهُمْ﴾ [ الجمعة : ٢ ] وقال :﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كتاب وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [ العنكبوت : ٤٨ ] الخامس : أن مثل هذا التعجب كان موجوداً عند بعثة كل رسول، كما في قوله :﴿وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا﴾ [ لأعراف : ٦٥ ] ﴿وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا﴾ [ الأعراف : ٧٣ ] إلى قوله :﴿أوعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ على رَجُلٍ مّنْكُمْ﴾ [ الأعراف : ٦٣ ] السادس : أن هذا التعجب إما أن يكون من إرسال الله تعالى رسولاً من البشر، أو سلموا أنه لا تعجب في ذلك، وإنما تعجبوا من تخصيص الله تعالى محمداً عليه الصلاة والسلام بالوحي والرسالة.
أما الأول : فبعيد لأن العقل شاهد بأن مع حصول التكليف لا بد من منبه ورسول يعرفهم تمام ما يحتاجون إليه في أديانهم كالعبادات وغيرها.
وإذا ثبت هذا فنقول : الأولى أن يبعث إليهم من كان من جنسهم ليكون سكونهم إليه أكمل والفهم به أقوى، كما قال تعالى :﴿وَلَوْ جعلناه مَلَكاً لجعلناه رَجُلاً﴾ [ الأنعام : ٩ ] وقال :﴿قُل لَوْ كَانَ فِى الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولاً﴾ [ الإسراء : ٩٥ ].
وأما الثاني : فبعيد لأن محمداً عليه الصلاة والسلام كان موصوفاً بصفات الخير والتقوى والأمانة، وما كانوا يعيبونه إلا بكونه يتيماً فقيراً، وهذا في غاية البعد، لأنه تعالى غني عن العالمين فلا ينبغي أن يكون الفقر سبباً لنقصان الحال عنده، ولا أن يكون الغنى سبباً لكمال الحال عنده.


الصفحة التالية
Icon