السؤال الأول : أن كلمة ﴿الذى﴾ كلمة وضعت للإشارة إلى شيء مفرد عند محاولة تعريفه بقضية معلومة، كما إذا قيل لك من زيد ؟ فتقول : الذي أبوه منطلق، فهذا التعريف إنما يحسن لو كان كون أبيه منطلقاً، أمراً معلوماً عند السامع، فهنا لما قال :﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ فهذا إنما يحسن لو كان كونه سبحانه وتعالى خالقاً للسموات والأرض في ستة أيام، أمراً معلوماً عند السامع، والعرب ما كانوا عالمين بذلك، فكيف يحسن هذا التعريف ؟
وجوابه أن يقال : هذا الكلام مشهور عند اليهود والنصارى، لأنه مذكور في أول ما يزعمون أنه هو التوراة.
ولما كان ذلك مشهوراً عندهم والعرب كانوا يخالطونهم، فالظاهر أنهم أيضاً سمعوه منهم، فلهذا السبب حسن هذا التعريف.
السؤال الثاني : ما الفائدة في بيان الأيام التي خلقها الله فيها ؟
والجواب : أنه تعالى قادر على خلق جميع العالم في أقل من لمح البصر.
والدليل عليه أن العالم مركب من الأجزاء التي لا تتجزى، والجزء الذي لا يتجزى لا يمكن إيجاده إلا دفعة، لأنا لو فرضنا أن إيجاده إنما يحصل في زمان، فذلك الزمان منقسم لا محالة من آنات متعاقبة، فهل حصل شيء من ذلك الإيجاد في الآن الأول أو لم يحصل، فإن لم يحصل منه شيء في الآن الأول فهو خارج عن مدة الإيجاد، وإن حصل في ذلك الآن إيجاد شيء وحصل في الآن الثاني إيجاد شيء آخر، فهما إن كانا جزأين من ذلك الجزء الذي لا يتجزى، فحينئذ يكون الجزء الذي لا يتجزى متجزئاً.
وهو محال.
وإن كان شيئاً آخر، فحينئذ يكون إيجاد الجزء الذي لا يتجزى لا يمكن إلا في آن واحد دفعة واحدة، وكذا القول في إيجاد جميع الأجزاء.
فثبت أنه تعالى قادر على إيجاد جميع العالم دفعة واحدة، ولا شك أيضاً أنه تعالى قادر على إيجاده وتكوينه على التدريج.