وقال ابن عطية :
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾
هذا استمرار على وصف آيات الله والتنبيه على صنعته الدالة على الصانع، وهذه الآية تقتضي أن " الضياء " أعظم من " النور " وأبهى بحسب ﴿ الشمس ﴾ و﴿ القمر ﴾، ويلحق ها هنا اعتراض وهو أنّا وجدنا الله تعالى شبه هداه ولطفه بخلقه بالنور فقال ﴿ الله نور السماوات والأرض ﴾ [ النور : ٣٥ ]، وهذا يقتضي أن النور أعظم هذه الأشياء وأبلغها في الشروق وإلا فلم ترك التشبيه إلا على الذي هو " الضياء " وعدل إلى الأقل الذي هو " النور " فالجواب عن هذا والانفصال : أن تقول إن لفظة النور أحكم وأبلغ في قوله ﴿ الله نور السموات والارض ﴾ [ النور : ٣٥ ]، وذلك أنه تعالى شبه هداه ولطفه الذي نصبه لقوم يهتدون وآخرين يضلون مع النور الذي هو أبداً موجود في الليل وأثناء الظلام، ولو شبهه بالضياء لوجب أن لا يضل أحد إذ كان الهدى يكون مثل الشمس التي لا تبقى معها ظلمة، فمعنى الآية أن الله تعالى قد جعل هداه في الكفر كالنور في الظلام فيهتدي قوم ويضل آخرين، ولو جعله كالضياء لوجب أن لا يضل أحد وبقي الضياء على هذا الانفصال أبلغ في الشروق كما اقتضت آيتنا هذه والله عز وجل هو ضياء السماوات والأرض ونورها وقيومها، ويحتمل أن يعترض هذا الانفصال والله المستعان، وقوله :﴿ وقدره منازل ﴾ يريد البروج المذكورة في غير هذه الآية، وأما الضمير الذي رده على ﴿ القمر ﴾ وقد تقدم ذكر ﴿ الشمس ﴾ معه فيحتمل أن يريد بالضمير " القمر " وحده لأنه هو المراعى في معرفة ﴿ عدد السنين والحساب ﴾ عند العرب ويحتمل أن يريدهما معاً بحسب أنهما يتصرفان في معرفة عدد السنين والحساب عند العرب. لكنه اجتزأ بذكر الواحد كما قال ﴿ والله ورسوله أحق أن يرضوه ﴾ [ التوبة : ٦٢ ] وكما قال الشاعر [ أبو حيان ] :[ الطويل ]
رماني بذنب كنت منه ووالدي... بريّاً ومن أجل الطويّ رماني