قلنا : قد دل بكونه خالقاً للسموات والأرض في ستة أيام وبكونه مستوياً على العرش، على نهاية العظمة وغاية الجلالة.
ثم أتبعها بهذه الجملة ليدل على أنه لا يحدث في العالم العلوي ولا في العالم السفلي أمر من الأمور ولاحادث من الحوادث، إلا بتقديره وتدبيره وقضائه وحكمه، فيصير ذلك دليلاً على نهاية القدرة والحكمة والعلم والإحاطة التدبير، وأنه سبحانه مبدع جميع الممكنات، وإليه تنتهي الحاجات.
وأما قوله تعالى :﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ ففيه قولان :
القول الأول : وهو المشهور أن المراد منه أن تدبيره للأشياء وصنعه لها، لا يكون بشفاعة شفيع وتدبير مدبر.
ولا يستجرىء أحد أن يشفع إليه في شيء إلا بعد إذنه، لأنه تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب، فلا يجوز لهم أن يسألوه ما لا يعلمون أنه صواب وصلاح.
فإن قيل : كيف يليق ذكر الشفيع بصفة مبدئية الخلق، وإنما يليق ذكره بأحوال القيامة ؟
والجواب من وجوه :
الوجه الأول : ما ذكره الزجاج : وهو أن الكفار الذين كانوا مخاطبين بهذه الآية كانوا يقولون : إن الأصنام شفعاؤنا عند الله، فالمراد منه الرد عليهم في هذا القول وهو كقوله تعالى :﴿يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن﴾ [ النبأ : ٣٨ ].
والوجه الثاني : وهو يمكن أن يقال إنه تعالى لما بين كونه إلهاً للعالم مستقلاً بالتصرف فيه من غير شريك ولا منازع، بين أمر المبدأ بقوله :﴿يُدَبّرُ الأمر﴾ وبين حال المعاد بقوله :﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon