ولما كان في سياق البعث، قدم أهل الجزاء وبدأ بأشرافهم فقال :﴿الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذا الوصف الذي هو الأساس المتقن لكل عمل صالح ﴿وعملوا﴾ أي وصدقوا إيمانهم بأن عملوا ﴿الصالحات﴾ جزاء كائناً ﴿بالقسط﴾، واقتصر على العدل دون الفضل ليفهم أن ترك الحشو مخل بالعمل الذي هو محط الحكمة التي هي أعظم مصالح السورة، والجزاء : الإعطاء بالعمل ما يقتضيه من خير أو شر، فلو كان الإعطاء ابتداء لم يكن جزاء، ولو كان ما لا يقتضيه العمل لم يكن جزاء مطلقاً والقسط : العدل ﴿والذين كفروا﴾ أي أوجدوا هذا الوصف ﴿لهم﴾ أي في الجزاء على جهة الاستحقاق ﴿شراب من حميم﴾ أي مسخن بالنار أشد الإسخان ﴿وعذاب أليم﴾ أي بالغ الإيلام ﴿بما كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿يكفرون﴾ فإن عذابهم من أعظم نعيم المؤمنين الذين عادوهم فيه سبحانه ﴿فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون﴾ [ سورة المطففين : ٣٤-٣٦ ] وكأنه قال :﴿يبدأ﴾ مضارعاً لا كما قال في آية أخرى ﴿كما بدأكم تعودون﴾ [ الأنفال : ٢٩ ] حكاية للحال وتصويراً لها تنبيهاً على تأمل ما يتجدد إنشاءه ليكون أدعى لهم إلى تصور القدرة على الإعادة ؛ قال الرماني : وقد تضمنت الآية البيان عما يوجبه التمكين في الدنيا من تجديد النشأة للجزاء لأنه لا بد - مع التمكين من الحسن والقبيح - من ترغيب وترهيب لا يؤمن معه العذاب على الخلود ليخرج المكلف بالزجر عن القبيح عن حال الإباحة له يرفع التبعة عليه - انتهى.


الصفحة التالية
Icon