الحجة الأولى : أنه تعالى خلق الخلق وأعطاهم عقولاً بها يميزون بين الحسن والقبيح، وأعطاهم قدراً بها يقدرون على الخير والشر.
وإذا ثبت هذا فمن الواجب في حكمة الله تعالى وعدله أن يمنع الخلق عن شتم الله وذكره بالسوء، وأن يمنعهم عن الجهل والكذب وإيذاء أنبيائه وأوليائه، والصالحين من خلقه.
ومن الواجب في حكمته أن يرغبهم في الطاعات والخيرات والحسنات، فإنه لو لم يمنع عن تلك القبائح، ولم يرغب في هذه الخيرات، قدح ذلك في كونه محسناً عادلاً ناظراً لعباده.
ومن المعلوم أن الترغيب في الطاعات لا يمكن إلا بربط الثواب بفعلها، والزجر عن القبائح لا يمكن إلا بربط العقاب بفعلها، وذلك الثواب المرغب فيه، والعقاب المهدد به غير حاصل في دار الدنيا.
فلا بد من دار أخرى يحصل فيها هذا الثواب، وهذا العقاب، وهو المطلوب، وإلا لزم كونه كاذباً، وأنه باطل.
وهذا هو المراد من الآية التي نحن فيها وهي قوله تعالى :﴿ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ﴾.