والقرآن ليس كتاباً لبسط المسائل كلها، بل هو كتاب منهج، ومن العجيب أنه جاء ب " إن " وهي التي تفيد الشك في قوله :﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا ﴾ ؛ لأن أحداً مهما أوتي من العلم ليس بقادر أن يُحصي نعمَ الله في الكون ؛ ولأن الإقبال على العَدّ فرض إمكان الحصر، ولا يوجد إمكان لذلك الحصر ؛ لذلك لم يأت ب " إذا "، بل جاء ب " إنْ " وهي في مقام الشك.
والأعجب من هذا أنك تجد أن العَدَّ يقتضي التكرار، ولم يقل الله سبحانه : وإن تعدوا نعم الله، بل جاء ب " نعمة " واحدة، وإذا استقصيتَ ما في النعمة لوجدتَ فيها آلاف النعم التي لا تُحصَى.
ويُنهي الحق الآية بقوله :﴿ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾، والآيات تطلق ثلاث إطلاقات : الإطلاق الأول آيات القرآن، والإطلاق الثاني على المعجزة الدالة على صدق الرسول، والإطلاق الثالث للآية أنها تحمل عجيبة من عجائب الكون الواضحة في الوجود الدالة على عظمة الله سبحانه.
وهذه الآيات خلقها الله لتُلْفت إلى مُكَوِّن هذه الآيات، واللفتة إلى مُكوِّن هذه الآيات ضرورة لينشأ الإنسان في انسجام مع الكون الذي أنشيء من أجله، بحيث لا يأتي له بعد ذلك ما ينغّص هذا الانسجام، فهبْ أن إنساناً ارتاح في حياته الدنيا ثم استقبل الآخرة بشقاء وجحيم، فما الذي استفاده من ذلك؟
إذن : كل المسائل التي تنتهي إلى زوال لا يمكن أن تُعتبر نعمة دائمة ؛ لأن النعمة تعني أن تتنعم بها تنعُّماً يعطيك يقيناً أنها لا تفارقك وأنت لا تفارقها، والدنيا في أطول أعمارها ؛ إما أن تفوت النعمةُ فيها الإنسان، وإما أن يفوت هو النعمة.