وعدل عن أن يقال : ولو يستعجل الله للناس الشر ﴿استعجالهم بالخير﴾ أي يعجل، دفعاً لإيهام النقص بأن من يستعجل الشيء ربما يكون طالباً عجلته من غير لعدم قدرته، وتنبيهاً على أن الأمر ليس إلاّ بيده ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ فإنه إذا أراد شيئاً كان ولم يتخلف أصلاً.
ولما كان التقدير لأن " لو " امتناعية : ولكنه سبحانه لا يفعل ذلك لأنه لا يفوته شيء بل يمهل الظالمين ويدر لهم النعم ويضربهم بشيء من النقم حتى يقولوا : هذه عادة الدهر، قد مس آباءنا الضراء والسراء، سبب عن قوله :﴿فنذر﴾ أي على أيّ حالة كانت، ووضع موضع الضمير تخصيصاً وتنبيهاً على ما أوجب لهم الإعراض والجرأة قوله :﴿الذين﴾ وأشار بنفي الرجاء إلى نفي الخوف على الوجه الأبلغ فقال :﴿لا يرجون لقآءنا﴾ أي بعد الموت بهذا الاستدراج على ما لنا من العظمة التي من أمنها كان أضل من الأنعام ﴿في طغيانهم﴾ أي تجاوزهم للحدود تجاوزاً لا يفعله من له أدنى روية ﴿يعمهون﴾ أي يحكم مشيئتنا السابقة في الأزل عمياً عن رؤية الآيات صماً عن سماع البينات ؛ والتعجيل : تقديم الشيء على وقته الذي هو أولى به ؛ والشر : ظهور ما فيه الضر، وأصله الإظهار من قولهم : شررت الثوب - إذا أظهرته للشمس، ومنه شرر النار - لظهوره بانتشاره ؛ والطغيان : الغلو في ظلم العباد ؛ والعمه، شدةُ الحيرة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٢١ ـ ٤٢٢﴾