في قوله تعالى :﴿كذلك زُيّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أبحاث :
البحث الأول : أن هذا المزين هو الله تعالى أو النفس أو الشيطان، فرع على مسألة الجبر والقدر وهو معلوم.
البحث الثاني : في بيان السبب الذي لأجله سمى الله سبحانه الكافر مسرفاً.
وفيه وجوه :
الوجه الأول : قال أبو بكر الأصم : الكافر مسرف في نفسه وفي ماله ومضيع لهما، أما في النفس فلأنه جعلها عبداً للوثن، وأما في المال فلأنهم كانوا يضيعون أموالهم في البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
الوجه الثاني : قال القاضي : إن من كانت عادته أن يكون عند نزول البلاء كثير التضرع والدعاء، وعند زوال البلاء ونزول الآلاء معرضاً عن ذكر الله متغافلاً عنه غير مشتغل بشكره، كان مسرفاً في أمر دينه متجاوزاً للحد في الغفلة عنه، ولا شبهة في أن المرء كما يكون مسرفاً في الإنفاق فكذلك يكون مسرفاً فيما يتركه من واجب أو يقدم عليه من قبيح، إذا تجاوز الحد فيه.
الوجه الثالث : وهو الذي خطر بالبال في هذا الوقت، أن المسرف هو الذي ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس، ومعلوم أن لذات الدنيا وطيباتها خسيسة جداً في مقابلة سعادات الدار الآخرة.
والله تعالى أعطاه الحواس والعقل والفهم والقدرة لاكتساب تلك السعادات العظيمة، فمن بذل هذه الآلات الشريفة لأجل أن يفوز بهذه السعادات الجسمانية الخسيسة، كان قد أنفق أشياء عظيمة كثيرة، لأجل أن يفوز بأشياء حقيرة خسيسة، فوجب أن يكون من المسرفين.
البحث الثالث : الكاف في قوله تعالى :﴿كذلك﴾ للتشبيه.
والمعنى : كما زين لهذا الكافر هذا العمل القبيح المنكر زُيِّن للمسرفين ما كانوا يعملون من الإعراض عن الذكر ومتابعة الشهوات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ٤١ ـ ٤٣﴾


الصفحة التالية
Icon