وقال الآلوسى :
﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ ﴾
مثل قوم نوح. وعاد.
وثمود، وهو جمع قرن بفتح القاف أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران كأن أهل ذلك الزمان اقترنوا في أعمالهم وأحوالهم، وقيل : القرن أربعون سنة وقيل : ثمانون وقيل مائة وقيل هو مطلق الزمان، والمراد هنا المعنى الأول وكذا في قوله ﷺ :" خير القرون قرني ثم الذين يلونهم " وقوله :
إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم...
وخلفت في قرن فأنت غريب ﴿
مِن قَبْلِكُمْ ﴾
أي من قبل زمانكم، والخطاب لأهل مكة على طريقة الالتفات للمبالغة في تشديد التهديد بعد تأييده بالتوكيد القسمي، والجار والمجرور متعلق بأهلكنا، ومنع أبو البقاء كونه حالا من القرون ﴿ لَمَّا ظَلَمُواْ ﴾ أي حين فعلوا الظلم بالتكذيب والتمادي في الغي والضلال، والظرف متعلق بأهلكنا وجعل لما شرطية بتقدير جواب هو أهلكناهم بقرينة ما قبله تكلف لا حاجة إليه وقوله سبحانه :﴿ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم ﴾ حال من ضمير ﴿ ظَلَمُواْ ﴾ باضمار قد وقوله تعالى :﴿ بالبينات ﴾ متعلق بجاءتهم على أن الباء للتعدية أو بمحذوف وقع حال من ﴿ رُسُلُهُمْ ﴾ دالة على إفراطهم في الظلم وتناهيهم في المكابرة أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينة الدالة على صدقهم أو متلبسين بها حين لا مجال للتكذيب، وجوز أبو البقاء وغيره عطفه على ﴿ ظَلَمُواْ ﴾ فلا محل له من الاعراب أو محله الجر وذلك عند من يرى إضافة الظرف إلى المعطوف عليه، والترتيب الذكرى لا يجب أن يكون حسب الترتيب الوقوعي كما في قوله تعالى :﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا ﴾ [ يوسف : ١٠٠ ] ولا حاجة إلى هذا الاعتذار بناء على أن الظلم ليس منحصراً في التكذيب بل هو محمول على سائر أنواع الظلم، والتكذيب مستفاد من قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾ على أبلغ وجه وآكده لأن اللام لتؤكيد النفي.


الصفحة التالية
Icon