(أَحَدُهُمَا) هُوَ مُقْتَضَى سُنَّتِهِ فِي نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ، وَهِيَ أَنَّ الظُّلْمَ سَبَبٌ لِفَسَادِ الْعُمْرَانِ وَضَعْفِ الْأُمَمِ، وَلِاسْتِيلَاءِ الْقَوِيَّةِ مِنْهَا عَلَى الضَّعِيفَةِ اسْتِيلَاءً مُوَقَّتًا، إِنْ كَانَ إِفْسَادُ الظُّلْمِ لَهَا عَارِضًا لَمْ يُجْهِزْ عَلَى اسْتِعْدَادِهَا لِلْحَيَاةِ وَاسْتِعَادَتِهَا لِلِاسْتِقْلَالِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ :(فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) (٢ : ٢٤٣) مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، أَوْ دَائِمًا إِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلْحَيَاةِ حَتَّى تَنْقَرِضَ أَوَ تُدْغَمَ فِي الْغَالِبَةِ. كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ :(وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ) (٢١ : ١١) الْآيَاتِ - وَهَذَا النَّوْعُ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِلظُّلْمِ بِحَسْبِ سُنَنِ اللهِ فِي الْبَشَرِ، وَهُوَ قِسْمَانِ : ظُلْمُ الْأَفْرَادِ لِأَنْفُسِهِمْ بِالْفُسُوقِ وَالْإِسْرَافِ فِي الشَّهَوَاتِ الْمُضْعِفَةِ لِلْأَبْدَانِ الْمُفْسِدَةِ لِلْأَخْلَاقِ، وَظُلْمُ الْحُكَّامِ الَّذِي يُفْسِدُ بَأْسَ الْأُمَّةِ فِي جُمْلَتِهَا وَهَذِهِ السُّنَّةُ دَائِمَةٌ فِي الْأُمَمِ، وَلَهَا حُدُودٌ وَمَوَاقِيتُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَأَحْوَالِ أَعْدَائِهَا، هِيَ آجَالُهَا الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي الْآيَةِ (٤٩) الْآتِيَةِ وَأَمْثَالِهَا.
(ثَانِيهِمَا) عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ لِلْأَقْوَامِ الَّتِي بَعَثَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا رُسُلًا لِهِدَايَتِهَا بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَأَعْظَمُ أَرْكَانِهِ الْعَدْلُ، فَعَانَدُوا الرُّسُلَ، فَأَنْذَرُوهُمْ عَاقِبَةَ


الصفحة التالية
Icon