(ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) الْخِطَابُ مَعْطُوفٌ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، أَيْ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ كُلِّهِمْ بِمَا آتَيْنَاكُمْ فِي هَذَا الدِّينِ مِنْ أَسْبَابِ الْمُلْكِ وَالْحُكْمِ وَقَدَّرْنَاهُ لَكُمْ بِاتِّبَاعِهِ، إِذْ كَانَ الرَّسُولُ الَّذِي بِهِ جَاءَكُمْ هُوَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، فَلَا يُوجَدُ بَعْدَ أُمَّتِهِ أُمَّةٌ أُخْرَى لِنَبِيٍّ آخَرَ، وَالْخَلَائِفُ جَمْعُ خَلِيفَةٍ وَهُوَ مَنْ يَخْلُفُ غَيْرَهُ فِي الشَّيْءِ أَيْ يَكُونُ خَلَفَهُ فِيهِ، وَلَقَدْ كَانَ لِتِلْكَ الْأُمَمِ دُوَلٌ وَحُكْمٌ فِي الْأَرْضِ، كَمِلْكِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ، وَالْوَثَنِيِّينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَالْفَرَاعِنَةِ وَالْهُنُودِ، فَاللهُ يُبَشِّرُ قَوْمَ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةَ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهَا سَتَخْلُفُهُمْ فِي الْأَرْضِ، إِذَا آمَنَتْ بِهِ وَاتَّبَعَتِ النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (٢٤ : ٥٥) الْآيَةَ، وَقَدْ عَلَّلَ هَذَا الِاسْتِخْلَافَ عِنْدَ الْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ بِهِ هُنَا بِقَوْلِهِ :(لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أَيْ لِنَرَى وَنُشَاهِدَ أَيَّ عَمَلٍ تَعْمَلُونَ فِي خِلَافَتِكُمْ، فَنُجَازِيَكُمْ بِهِ بِمُقْتَضَى سُنَّتِنَا فِيمَنْ قَبْلَكُمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الْخِلَافَةَ إِنَّمَا جَعَلَهَا لَكُمْ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْأَرْضِ وَتَطْهِيرِهَا مِنْ رِجْسِ الشِّرْكِ وَالْفِسْقِ، لَا لِمُجَرَّدِ التَّمَتُّعِ بِلَذَّةِ الْمُلْكِ، كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ


الصفحة التالية
Icon