إذن : فالخلق لا يعدّون صفاتهم إلى غيرهم ولكنهم يعدون آثار صفاتهم إلى غيرهم، وتظل الصفة هنا قوة، والصفة هناك ضعفاً. أما الواحد الأحد فهو الذي يستطيع أن يهب من قدرته للعاجز قدرة ؛ فيفعل. فهل كل الكون هكذا؟
إن الكون قسمان : قسم وهبة الله سبحانه وتعالى للإنسان بدون مجال له فيه. وقد أقامه الحق بقدرته، وهذا القسم من الكون مستقيم في أمره استقامة لا يتأتّى لها أي خَلَل، مثل : نظام الأفلاك والسماء ودوران الشمس والقمر والريح وغيرها، ولا تعاني من أي عطب أو خلل، ولا يتأتى لهذا القسم فساد إلا بتدخُّل الإنسان.
وقسم آخر في الكون تركه الحق سبحانه للإنسان ؛ حتى يقيمه القوة الموهوبة له من الله.
وأنت لا تجد فساداً في كون الله تعالى إلا وجدت فيه للإنسان يداً، أما الأمور التي ليس للإنسان فيها يد فهي مستقيمة، ولذلك يقول الحق سبحانه :﴿ الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ ﴾ [ الرحمن : ٥ ].
والمراصد تحدِّد موقع الأرض بين الشمس والقمر، وموقع القمر بين الأرض والشمس بدقة تتناسب مع قوله الحق :﴿ بِحُسْبَانٍ ﴾ ؛ لأن الإنسان ليس له دخل في هذه الأمور.
وفيما لنا فيه اختيار علينا أن نتدخل بمنهج الله تعالى ؛ لتستقيم حركتنا مثل استقامة الحركة في الأكوان العليا التي لا دخل لنا فيها.
إذن : فالذي يُفْسد الأكوان هو تدخُّل الإنسان - فيما يحيط به، وفيما ينفعل له وينفعل به - على غير منهج الله ؛ ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى :﴿ الرحمن * عَلَّمَ القرآن * خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ البيان * الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ ﴾ [ الرحمن : ١-٥ ].