وبذلك يعلم الإنسان أن الحق سبحانه شاء ذلك ؛ ليعرف كل عبد عِلم الواقع، لا عِلْم الحصول.
إذن : فذكر كلمة ﴿ وَلِيَعْلَمَ ﴾ وكلمة ﴿ لِنَنظُرَ ﴾ في القرآن معناها علم واقع، وعلم مشهد، وعلم حُجّة على العبد ؛ فلا يستطيع أن ينكر ما حدث، وقوله الحق :﴿ وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب ﴾ [ الحديد : ٢٥ ].
هذه الآية تبين لنا أدوات انتظام الحكم الإلهي : رسل جاءوا بالبرهان والبينة، وأنزل الحديد للقهر، قال الحق سبحانه :﴿ وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [ الحديد : ٢٥ ].
وقرن ذلك بالرسل، فقال :﴿ وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ ﴾ والنصرة لا تكون إلا بقوة، والقوة تأتي بالحديد الذي يظل حديداً إلى أن تقوم الساعة، وهو المعدن ذو البأس، والذي لن يخترعوا ما هو أقوى منه، وعلْم الله سبحانه هنا عِلْم وقوع منكم، لا تستطيعون إنكاره ؛ لأنه سبحانه لو أخبر خبراً دون واقع منكم ؛ فقد تكذبون ؛ لذلك قال سبحانه :﴿ وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب ﴾ وفي هذا لون من الاحتياط الجميل.
وقوله :﴿ وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ ﴾ كأن الله يطلب منكم أن تنصروه، لكن إياكم أن تفهموا المعنى أنه سبحانه ضعيف، معاذ الله، بل هو قوي وعزيز. فهو القائل :﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ ﴾ [ التوبة : ١٤ ].
بل يريد سبحانه أن يكون أعداء الإيمان أذلاء أمامكم ؛ لأنه سبحانه يقدر عليهم.
إذن : فقول الحق سبحانه :﴿ وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ ﴾ إنما يعني : أن يكون علم الله بمن ينصر منهجه أمراً غيبيّاً ؛ حتى لا يقول أحدٌ إن انتصار المنهج جاء صدفة، بل يريد الحق سبحانه أن يجعل نُصْرة منهجه بالمؤمنين، حتى ولو قَلَّت عدَّتُهم، وقلّ عددهم.


الصفحة التالية
Icon