فصل


قال الفخر :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال المنكرين والجاحدين في الآية المتقدمة، ذكر في هذه الآية أحوال المؤمنين المحقين، واعلم أنه تعالى ذكر صفاتهم أولاً، ثم ذكر مالهم من الأحوال السنية والدرجات الرفيعة ثانياً، أما أحوالهم وصفاتهم فهي قوله :﴿إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ وفي تفسيره وجوه :
الوجه الأول : أن النفس الإنسانية لها قوتان :
القوة النظرية : وكمالها في معرفة الأشياء، ورئيس المعارف وسلطانها معرفة الله.
والقوة العملية : وكمالها في فعل الخيرات والطاعات، ورئيس الأعمال الصالحة وسلطانها خدمة الله.
فقوله :﴿إِنَّ الذين ءامَنُواْ﴾ إشارة إلى كمال القوة النظرية بمعرفة الله تعالى وقوله :﴿وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ إشارة إلى كمال القوة العملية بخدمة الله تعالى، ولما كانت القوة النظرية مقدمة على القوة العملية بالشرف والرتبة، لا جرم وجب تقديمها في الذكر.
الوجه الثاني : في تفسير هذه الآية قال القفال :﴿إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي صدقوا بقلوبهم، ثم حققوا التصديق بالعمل الصالح الذي جاءت به الأنبياء والكتب من عند الله تعالى.
الوجه الثالث :﴿الذين آمنوا﴾ أي شغلوا قلوبهم وأرواحهم بتحصيل المعرفة ﴿وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي شغلوا جوارحهم بالخدمة، فعينهم مشغولة بالاعتبار كما قال :﴿فاعتبروا ياأولى الابصار﴾ [ الحشر : ٢ ] وأذنهم مشغولة بسماع كلام الله تعالى كما قال :﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرسول﴾ [ المائدة : ٨٣ ] ولسانهم مشغول بذكر الله كما قال تعالى :﴿يا أيها الذين ءامَنُواْ اذكروا الله﴾ [ الأحزاب : ٤١ ] وجوارحهم مشغولة بنور طاعة الله كما قال :﴿أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الذى يُخْرِجُ الخبء فِى السموات والارض﴾ [ النمل : ٢٥ ].


الصفحة التالية
Icon