وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا ﴾ الآية
لما قرر تبارك وتعالى حالة الفرقة الهالكة عقب ذلك بذكر حالة الفرقة الناجية ليتضح الطريقان ويرى الناظر فرق ما بين الهدى والضلال، وهذا كله لطف منه بعباده، وقوله ﴿ يهديهم ﴾ لا يترتب أن يكون معناه يرشدهم إلى الإيمان لأنه قد قررهم مؤمنين فإنما الهدى في هذه الآية على أحد وجهين : إما أن يريد أنه يديمهم ويثبتهم، كما قال
﴿ يا أيها الذين آمنوا آمنوا ﴾ [ النساء : ١٣٦ ] فإنما معناه اثبتوا، وإما أن يريد يرشدهم إلى طرق الجنان في الآخرة، وقوله :﴿ بإيمانهم ﴾ يحتمل أن يريد بسبب إيمانهم ويكون مقابلاً لقوله قبل ﴿ مأواهم النار بما كانوا يكسبون ﴾، ويحتمل أن يكون الإيمان هو نفس الهدى، أي يهديهم إلى طرق الجنة بنور إيمانهم، قال مجاهد : يكون لهم إيمانهم نوراً يمشون به ويتركب هذا التأويل على ما روي عن النبي ﷺ :" إن العبد المؤمن إذا قام من قبره للحشر تمثل له رجل جميل الوجه طيب الرائحة فيقول : من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح فيقوده إلى الجنة، وبعكس هذا في الكافر "، ونحو هذا مما أسنده الطبري وغيره وقوله ﴿ تجري من تحتهم الأنهار ﴾ يريد من تحت علياتهم وغرفهم وليس التحت الذي هو بالمما سة بل يكون إلى الناحية من الإنسان كما قال تعالى :﴿ جعل ربك تحتك سرياً ﴾ [ مريم : ٢٤ ] وكما قال حكاية عن فرعون ﴿ وهذه الأنهار تجري من تحتي ﴾ [ الزخرف : ٥١ ]. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾