وثانيها : أنه تعالى قال في صفة أهل الجنة :﴿وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ﴾ فإذا اشتهوا أكل ذلك الطير، فلا حاجة بهم إلى الطلب، وإذا لم يكن بهم حاجة إلى الطلب، فقد سقط هذا الكلام.
وثالثها : أن هذا يقتضي صرف الكلام عن ظاهره الشريف العالي إلى محمل خسيس لا إشعار للفظ به، وهذا باطل.
الوجه الثاني : في تأويل هذه الآية أن نقول : المراد اشتغال أهل الجنة بتقديس الله سبحانه وتمجيده والثناء عليه، لأجل أن سعادتهم في هذا الذكر وابتهاجهم به وسرورهم به، وكمال حالهم لا يحصل إلا منه، وهذا القول هو الصحيح الذي لا محيد عنه.
ثم على هذا التقدير ففي الآية وجوه : أحدها : قال القاضي : إنه تعالى وعد المتقين بالثواب العظيم، كما ذكر في أول هذه السورة من قوله :﴿ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط﴾ [ يونس : ٤ ] فإذا دخل أهل الجنة الجنة، ووجدوا تلك النعم العظيمة، عرفوا أن الله تعالى كان صادقاً في وعده إياهم بتلك النعم، فعند هذا قالوا :﴿سبحانك اللهم﴾ أي نسبحك عن الخلف في الوعد والكذب في القول.
وثانيها : أن نقول : غاية سعادة السعداء، ونهاية درجات الأنبياء والأولياء استسعادهم بمراتب معارف الجلال.
واعلم أن معرفة ذات الله تعالى والاطلاع على كنه حقيقته مما لا سبيل للخلق إليه، بل الغاية القصوى معرفة صفاته السلبية أو صفاته الإضافية.
إما الصفات السلبية فهي المسماة بصفات الجلال، وأما الصفات الإضافية فهي المسماة بصفات الإكرام، فلذلك كان كمال الذكر العالي مقصوراً عليها، كما قال سبحانه وتعالى :﴿تبارك اسم رَبّكَ ذِى الجلال والإكرام﴾ [ الرحمن : ٧٨ ] وكان ﷺ يقول :" ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " ولما كانت السلوب متقدمة بالرتبة على الإضافات، لا جرم كان ذكر الجلال متقدماً على ذكر الإكرام في اللفظ.


الصفحة التالية
Icon