والاشتغال بشكر النعمة متأخر عن رؤية تلك النعمة، فلهذا السبب وقع الختم على هذه الكلمة، وثانيها : أن لكل إنسان بحسب قوته معراجاً، فتارة ينزل عن ذلك المعراج، وتارة يصعد إليه.
ومعراج العارفين الصادقين، معرفة الله تعالى وتسبيح الله وتحميد الله، فإذا قالوا :﴿سبحانك اللهم﴾ فهم في عين المعراج، وإذا نزلوا منه إلى عالم المخلوقات.
كان الحاصل عند ذلك النزول إفاضة الخير على جميع المحتاجين وإليه الإشارة بقوله :﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾ ثم أنه مرة أخرى يصعد إلى معراجه، وعند الصعود يقول :﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ فهذه الكلمات العالية إشارة إلى اختلاف أحوال العبد بسبب النزول والعروج.
وثالثها : أن نقول : إن قولنا الله اسم لذات الحق سبحانه، فتارة ينظر العبد إلى صفات الجلال، وهي المشار إليها بقوله :﴿سبحانك﴾ ثم يحاول الترقي منها إلى حضرة جلال الذات، ترقياً يليق بالطاقة البشرية، وهي المشار إليها بقوله :﴿اللهم﴾ فإذا عرج عن ذلك المكان.
واخترق في أوائل تلك الأنوار رجع إلى عالم الإكرام، وهو المشار إليه بقوله :﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ فهذه كلمات خطرت بالبال ودارت في الخيال، فإن حقت فالتوفيق من الله تعالى، وإن لم يكن كذلك فالتكلان على رحمة الله تعالى.
المسألة الثانية :
قال الواحدي :﴿أن﴾ في قوله :﴿أَنِ الحمد للَّهِ﴾ هي المخففة من الشديدة، فلذلك لم تعمل لخروجها بالتخفيف عن شبه الفعل كقوله :
أن هالك كل من يخفى وينتعل.. على معنى أنه هالك.
وقال صاحب "النظم" ﴿أن﴾ ههنا زائدة، والتقدير : وآخر دعواهم الحمد لله رب العالمين، وهذا القول ليس بشيء، وقرأ بعضهم ﴿أن﴾ الحمد لله بالتشديد، ونصب الحمد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ٣٦ ـ ٣٩﴾