﴿إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّءاهُ استغنى﴾ [ العلق : ٦، ٧ ] وقرر تعالى هذا المعنى بالمثال المذكور، فإقدامهم على طلب الآيات الزائدة والاقتراحات الفاسدة، إنما كان لأجل ما هم فيه من النعم الكثيرة والخيرات المتوالية، وقوله :﴿قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْرًا﴾ كالتنبيه على أنه تعالى يزيل عنهم تلك النعم، ويجعلهم منقادين للرسول مطيعين له، تاركين لهذه الاعتراضات الفاسدة، والله أعلم.
المسألة الثانية :
قوله تعالى :﴿وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً﴾ كلام ورد على سبيل المبالغة، والمراد منه إيصال الرحمة إليهم.
واعلم أن رحمة الله تعالى لا تذاق بالفم، وإنما تذاق بالعقل، وذلك يدل على أن القول بوجود السعادات الروحانية حق.
المسألة الثالثة :
قال الزجاج ﴿إِذَا﴾ في قوله :﴿وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً﴾ للشرط و ﴿إِذَا﴾ في قوله ﴿إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ﴾ جواب الشرط وهو كقوله :﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [ الروم : ٣٦ ] والمعنى : إذا أذقنا الناس رحمة مكروا وإن تصبهم سيئة قنطوا.
واعلم أن ﴿إِذَا﴾ في قوله :﴿إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ﴾ تفيد المفاجأة، معناه أنهم في الحال أقدموا على المكر وسارعوا إليه.
المسألة الرابعة :
سمي تكذيبهم بآيات الله مكراً، لأن المكر عبارة عن صرف الشيء عن وجهه الظاهر بطريق الحيلة، وهؤلاء يحتالون لدفع آيات الله بكل ما يقدرون عليه من إلقاء شبهة أو تخليط في مناظرة أو غير ذلك من الأمور الفاسدة.
قال مقاتل : المراد من هذا المكر هو أن هؤلاء لا يقولون هذا رزق الله، بل يقولون سقينا بنوء كذا.