والإذاقة والمس هنا مجازان، وفي هذه الجملة دليل على سرعة تقلب ابن آدم من حالة الخير إلى حالة الشر، وذلك بلفظ أذقنا، كأنه قيل : أول ذوقه الرحمة قبل أن يدوام استطعامها مكروه بلفظ من المشعرة بابتداء الغاية أي : ينشىء المكر إثر كشف الضراء لا يمهل ذلك.
وبلفظ إذا الفجائية الواقعة جواباً لإذا الشرطية، أي في وقت إذاقة الرحمة فاجأوا بالمكر.
ولما كانت هذه الجملة كما قلنا تتضمن سرعة المكر منهم قيل : قل الله أسرع مكراً فجاءت أفعل التفضيل.
ومعنى وصف المكر بالأسرعية : أنه تعالى قبل أن يدبروا مكائدهم قضى بعقابكم، وهو موقعه بكم، واستدرجكم بإمهاله.
قال ابن عطية : أسرع من سرع، ولا يكون من أسرع يسرع، حكى ذلك أبو علي.
ولو كان من أسرع لكان شاذاً وقد قال رسول الله ( ﷺ ) :" في نار جهنم لهي أسود من القار " وما حفظ من النبي ( ﷺ ) فليس بشاذ انتهى.
وقيل : أسرع هنا ليست للتفضيل، وحكاية ذلك عن أبيّ على هو مذهب.
وفي بناء التعجب وأفعل التفضيل من أفعل ثلاثة مذاهب : المنع مطلقاً وما ورد من ذلك فهو شاذ، والجواز مطلقاً، والتفصيل بين أن تكون الهمزة فيه للنقل فيمنع، أو لغير النقل فيجوز، نحو : أشكل الأمر وأظلم الليل، وتقرير الصحيح من ذلك هو في علم النحو وأما تنظير أسود من القار بأسرع ففاسد، لأن أسود ليس فعله على وزن أفعل، وإنما هو على وزن فعل نحو سود فهو أسود، ولم يمتنع التعجب ولا بناء أفعل التفضيل عند البصريين من نحو : سود وحمر وأدم إلاّ لكونه لوناً، وقد أجاز ذلك بعض الكوفيين في الألوان مطلقاً، وبعضهم في السواد والبياض فقط.
والرسل هنا الحفظة بلا خلاف.
والمعنى : أن ما تظنونه خافياً مطوياً عن الله لا يخفى عليه، وهو منتقم منكم.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق، وأبو عمر : رسلنا بالتخفيف.