وقال القفال :﴿هُوَ الذى يُسَيّرُكُمْ فِى البر والبحر﴾ أي هو الله الهادي لكم إلى السير في البر والبحر طلباً للمعاش لكم، وهو المسير لكم، لأجل أنه هيأ لكم أسباب ذلك السير.
هذا جملة ما قيل في الجواب عنه.
ونحن نقول : لا شك أن المسير في البحر هو الله تعالى، لأن الله تعالى هو المحدث لتلك الحركات في أجزاء السفينة، ولا شك أن إضافة الفعل إلى الفاعل هو الحقيقة.
فنقول : وجب أيضاً أن يكون مسيراً لهم في البر بهذا التفسير، إذ لو كان مسيراً لهم في البر بمعنى إعطاء الآلات والأدوات لكان مجازاً بهذا الوجه، فيلزم كون اللفظ الواحد حقيقة ومجازاً دفعة واحدة، وذلك باطل.
واعلم أن مذهب الجبائي أنه لامتناع في كون اللفظ حقيقة ومجازاً بالنسبة إلى المعنى الواحد.
وأما أبو هاشم فإنه يقول : إن ذلك ممتنع، إلا أنه يقول : لا يبعد أن يقال إنه تعالى تكلم به مرتين.
واعلم أن قول الجبائي : قد أبطلناه في أصول الفقه، وقول أبي هاشم أنه تعالى تكلم به مرتين أيضاً بعيد.
لأن هذا قول لم يقل به أحد من الأمة ممن كانوا قبله، فكان هذا على خلاف الإجماع فيكون باطلاً.
واعلم أنه بقي في هذه الآية سؤالات :
السؤال الأول : كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر، مع أن الكون في الفلك متقدم لا محالة على التسيير في البحر ؟
والجواب : لم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير، بل تقدير الكلام كأنه قيل هو الذي يسيركم حتى إذا وقع في جملة تلك التسييرات الحصول في الفلك كان كذا وكذا.
السؤال الثاني : ما جواب ﴿إِذَا﴾ في قوله :﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِى الفلك ﴾.
الجواب : هو أن جوابها هو قوله :﴿جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾ ثم قال صاحب "الكشاف" :
وأما قوله :﴿دَّعَوَا الله﴾ فهو بدل من ﴿ظنوا﴾ لأن دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك.
وقال بعض الأفاضل لو حمل قوله :﴿دَّعَوَا الله﴾ على الاستئناف.


الصفحة التالية
Icon