وقال القرطبى :
﴿ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ ﴾
أي خلّصهم وأنقذهم.
﴿ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق ﴾ أي يعملون في الأرض بالفساد وبالمعاصي.
والبغي : الفساد والشرك ؛ من بَغَى الجرحُ إذا فسد ؛ وأصله الطلب، أي يطلبون الاستعلاء بالفساد.
"بِغَيْرِ الْحَقِّ" أي بالتكذيب ؛ ومنه بَغَت المرأةُ طلبت غير زوجِها.
قوله تعالى :﴿ يا أيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ ﴾ أي وَبَالهُ عائد عليكم ؛ وتمّ الكلام، ثم ابتدأ فقال :﴿ مَّتَاعَ الحياة الدنيا ﴾ أي هو متاع الحياة الدنيا ؛ ولا بقاء له.
قال النحاس :"بَغْيُكُمْ" رفع بالابتداء وخبره "مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا".
و"على أنفسِكم" مفعول معنى فعل البَغْي.
ويجوز أن يكون خبره "عَلَى أَنْفُسِكُمْ" وتضمر مبتدأ، أي ذلك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحياة الدنيا ؛ وبين المعنيين حرف لطيف، إذا رفعت متاعاً على أنه خبر "بغيكم" فالمعنى إنما بغى بعضكم على بعض ؛ مثل :"فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ" وكذا "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ".
وإذا كان الخبر "عَلَى أَنْفُسِكُم" فالمعنى إنما فسادكم راجع عليكم ؛ مثل "وَإنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا".
وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال : أراد أن البغي متاع الحياة الدنيا، أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا ؛ كما يقال : البَغْيُ مَصْرعةٌ.
وقرأ ابن أبي إسحاق "مَتَاعَ" بالنصب على أنه مصدر ؛ أي تتمتعون متاعَ الحياة الدنيا.
أو بنزع الخافض، أي لمتاع، أو مصدر، بمعنى المفعول على الحال، أي متمتعين.
أو هو نصب على الظرف، أي في متاع الحياة الدنيا، ومتعلق الظرف والجار والحال معنى الفعل في البغي.
و"عَلَى أَنْفُسِكُمْ" مفعول ذلك المعنى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٨ صـ ﴾