وأما كونُ البغي على أبناء الجنسِ فمعلومُ الثبوتِ عندهم ومتضمنٌ لمبادىء التمتعِ من أخذ المالِ والاستيلاءِ على الناس وغيرِ ذلك، وأما على الوجهين الأخيرين فلا موجبَ للعدول عن الحقيقة فإن المبتدأَ إما نفسُ البغي أو الضميرُ العائدُ إليه من حيث هو هو لا من حيث كونُه وبالاً عليهم كما في صورة كونِ الظرفِ صلةً للمصدر فتدبر. وقرىء متاعاً الحياةَ الدنيا، أما نصبُ متاعاً فعلى ما مر وأما نصبُ الحياةَ فعلى أنه بدلٌ من متاعاً بدلَ اشتمالٍ، وقيل : على أنه مفعولٌ به لمتاعاً إذا لم يكن انتصابُه على المصدرية لأن المصدرَ المؤكدَ لا يعمل. عن النبي ﷺ أنه قال :" لا تمكُرْ ولا تُعِن ماكراً ولا تبغِ ولا تُعن باغياً ولا تنكُث ولا تُعِن ناكثاً " وكان يتلوها وقال محمد بن كعب : ثلاثٌ من كنّ فيه كنّ عليه : البغيَ والنكثَ والمكر قال تعالى :﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ ﴾ ﴿ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ ﴾ ﴿ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ ﴾ وعنه عليه الصلاة والسلام :" وأسرعُ الخير ثواباً صلةُ الرحم وأعجلُ الشر عقاباً البغيُ واليمينُ الفاجرة " وروي ( ثنتان يعجّلهما الله تعالى في الدنيا البغيُ وعقوقُ الوالدين ) وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ( لو بغى جبلٌ على جبل لدُكّ الباغي ) ﴿ ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ ﴾ عطفٌ على ما مر من الجملة المستأنفةِ المقدرةِ كأنه قيل : تتمتعون متاعَ الحياة الدنيا ثم ترجِعون إلينا وإنما غُيّر السبكُ إلى الجملة الاسمية مع تقديم الجارِّ والمجرور للدِلالة على الثبات والقصرِ ﴿ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ في الدنيا على الاستمرار من البغي وهو وعيدٌ بالجزاء والعذابِ كقول الرجل لمن يتوعّده : سأخبرك بما فعلت، وفيه نكتةٌ خفيةٌ مبنيةٌ على حِكمة أبيةٍ وهي أن كلَّ ما يظهر في هذه النشأةِ من الأعيان والأعراضِ فإنما يظهر