فصل


قال الفخر :
﴿ قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنا بينا فيما سلف، أن القوم إنما التمسوا منه ذلك الالتماس، لأجل أنهم اتهموه بأنه هو الذي يأتي بهذا الكتاب من عند نفسه، على سبيل الاختلاق والافتعال، لا على سبيل كونه وحياً من عند الله.
فلهذا المعنى احتج النبي عليه الصلاة والسلام على فساد هذا الوهم بما ذكره الله تعالى في هذه الآية.
وتقريره أن أولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله ﷺ من أول عمره إلى ذلك الوقت، وكانوا عالمين بأحواله وأنه ما طالع كتاباً ولا تلمذ لأستاذ ولا تعلم من أحد، ثم بعد انقراض أربعين سنة على هذا الوجه جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الأصول، ودقائق علم الأحكام، ولطائف علم الأخلاق، وأسرار قصص الأولين.
وعجز عن معارضته العلماء والفصحاء والبلغاء، وكل من له عقل سليم فإنه يعرف أن مثل هذا لا يحصل إلا بالوحي والإلهام من الله تعالى، فقوله :﴿لَّوْ شَاء الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ حكم منه عليه الصلاة والسلام بأن هذا القرآن وحي من عند الله تعالى، لا من اختلاقي ولا من افتعالي.
وقوله :﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ﴾ إشارة إلى الدليل الذي قررناه، وقوله :﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ يعني أن مثل هذا الكتاب العظيم إذا جاء على يد من لم يتعلم ولم يتلمذ ولم يطالع كتاباً ولم يمارس مجادلة، يعلم بالضرورة أنه لا يكون إلا على سبيل الوحي والتنزيل.
وإنكار العلوم الضرورية يقدح في صحة العقل.
فلهذا السبب قال :﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾.
المسألة الثانية :
قوله :﴿وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ هو من الدراية بمعنى العلم.
قال سيبويه : يقال دريته ودريت به، والأكثر هو الاستعمال بالباء.


الصفحة التالية