فصل
قال الفخر :
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾
اعلم أنا ذكرنا أن القوم إنما التمسوا من الرسول ﷺ قرآناً غير هذا القرآن أو تبديل هذا القرآن ل، أن هذا القرآن مشتمل على شتم الأصنام التي جعلوها آلهة لأنفسهم، فلهذا السبب ذكر الله تعالى في هذا الموضع ما يدل على قبح عبادة الأصنام، ليبين أن تحقيرها والاستخفاف بها أمر حق وطريق متيقن.
واعلم أنه تعالى حكى عنهم أمرين : أحدهما : أنهم كانوا يعبدون الأصنام.
والثاني : أنهم كانوا يقولون :﴿هؤلاء شفعاؤنا عند الله ﴾.
أما الأول فقد نبه الله تعالى على فساده بقوله :﴿مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ وتقريره من وجوه : الأول : قال الزجاج : لا يضرهم إن لم يعبدوه ولا ينفعهم إن عبدوه.
الثاني : أن المعبود لا بد وأن يكون أكمل قدرة من العابد، وهذه الأصنام لا تنفع ولا تضر ألبتة، وأما هؤلاء الكفار فهم قادرون على التصرف في هذه الأصنام تارة بالإصلاح وأخرى بالإفساد، وإذا كان العابد أكمل حالاً من المعبود كانت العبادة باطلة.
الثالث : أن العبادة أعظم أنواع التعظيم، فهي لا تليق إلا بمن صدر عنه أعظم أنواع الأنعام، وذلك ليس إلا الحياة والعقل والقدرة ومصالح المعاش والمعاد، فإذا كانت المنافع والمضار كلها من الله سبحانه وتعالى، وجب أن لا تليق العبادة إلا بالله سبحانه.
وأما النوع الثاني : ما حكاه الله تعالى عنهم في هذه الآية، وهو قولهم :﴿هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله﴾ فاعلم أن من الناس من قال إن أولئك الكفار توهموا أن عبادة الأصنام أشد في تعظيم الله من عبادة الله سبحانه وتعالى.
فقالوا ليست لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى بل نحن نشتغل بعبادة هذه الأصنام، وأنها تكون شفعاء لنا عند الله تعالى.