وقال أبو حيان :
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾
الضمير في ويعبدون عائد على كفار قريش الذين تقدمت محاورتهم.
وما لا يضرهم ولا ينفعهم هو الأصنام، جماد لا تقدر على نفع ولا ضر.
قيل : إنْ عبدوها لم تنفعهم، وإن تركوا عبادتها لم تضرهم.
ومن حق المعبود أن يكون مثيباً على الطاعة معاقباً على المعصية، وكان أهل الطائف يعبدون اللات، وأهل مكة العزى ومناة وأسافاً ونائلة وهبل، والأخبار بهذا عن الكفار هو على سبيل التجهيل والتحقير لهم ولمعبوداتهم، والتنبيه على أنهم عبدوا من لا يستحق العبادة.
وفي قوله : من دون الله، دلالة على أنهم كانوا يعبدون الأصنام ولا يعبدون الله.
قال ابن عباس : يعنون في الآخرة.
وقال النضر بن الحرث : إذا كان يوم القيامة شفعت في اللات والعزى.
وقال الحسن : شفعاؤنا في إصلاح معايشنا في الدنيا لأنهم لا يقرون بالبعث.
وأتنبئون استفهام على سبيل التهكم بما ادّعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأنّ الذي أنبأوا به باطل غير منطو تحت الصحة، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه، وما موصولة بمعنى الذي.
قال الزمخشري : بكونهم شفعاء عنده، وهو إنباء ما ليس بمعلوم لله تعالى، وإذا لم يكن معلوماً له وهو العالم الذات المحيط بجميع المعلومات لم يكن شيئاً لأنّ الشيء ما يعلم ويخبر عنه فكان خبراً ليس له مخبر عنه انتهى.
فتكون ما واقعة على الشفاعة، والفاعل بيعلم هو الله، والمفعول الضمير المحذوف العائد على ما.
وقوله : في السموات ولا في الأرض تأكيد لنفيه، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم قاله الزمخشري.
وفي التحرير : أتنبئون، معناه التهكم والتقريع والتوبيخ والإنكار، والمعنى على هذا : أتخبرون الله بما يعلم خلافه في السموات والأرض، فإن صفات الذات لا يجري فيها النفي.