والظاهر أن سائر المشركين كانوا يقولون هذا القول، ولعل ذلك منهم على سبيل الفرض والتقدير أي إن كان بعث كما زعمتم فهؤلاء يشفعون لنا، فلا يقال : إن المتبادر من الشفاعة عند الله تعالى أنه في الآخرة وهو مستلزم للبعث وهم ينكرونه كما يدل عليه قوله تعالى :﴿ وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ ﴾ [ النحل : ٣٨ ] وكذا ما تقدم آنفاً من قوله سبحانه :﴿ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ﴾ [ يونس : ١٥ ] فيلزم المنافاة بين مفاهيم الآيات، وكأنه لذلك قال الحسن عليه الرحمة : إنهم أرادوا من هذه الشفاعة الشفاعة في الدنيا لإصلاح المعاش، وحينئذٍ لا منافاة والجمهور على الأول، ومن سبر حال القوم رآهم مترددين ولذلك اختلفت كلماتهم، ونسبة الشفاعة للأصنام قيل باعتبار السببية وذلك لأنهم كما هو المشهور وضعوها على صور رجال صالحين ذوي خطر عندهم وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادتها فإن أولئك الرجال يشفعون لهم، وقيل : إنهم كانوا يعتقدون أن المتولي لكل إقليم روح معين من أرواح الأفلام فعينوا لذلك الروح صنماً من الأصنام واشتغلوا بعبادتها قصداً إلى عبادة الكواكب وقيل : غير ذلك، والحق أن من الأصنام ما وضع على الوجه الأول ومنها ما وضع لكونها كالهياكل للروحانيات ﴿ قُلْ ﴾ تبكيتاً لهم ﴿ أَتُنَبّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ ﴾ أي أتخبرونه سبحانه بما لا وجود له ولا تحقق أصلاً وهو كون الأصنام شفعاءهم عنده جل شأنه فإن ما لا يعلمه علام الغيوب المحيط علمه بالكليات والجزئيات لا يكون له تحقق بالكلية، وذكروا أن مثل ذلك لا يسمى شيئاً بناءً على أنه كما قال سيبويه ما يصح أن يعلم ويخبر عنه وهو يشمل الموجود والمعدوم كما حققه بعض أصحابنا كالمعتزلة وسموا ما لا يعلم بالمنفي كالشريك وكاجتماع الضدين، وحقق ذلك الشيخ إبراهيم الكورابي في رسالة مستقلة أتى فيها بالعجب العجاب، ويجوز أن يراد بالموصول أن له