وَهُمْ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ قَرِيبًا - وَأَعَادَهُ وَاضِعًا إِيَّاهُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِلْإِشْعَارِ بِعِلَّةِ الْقَوْلِ - أَيْ قَالُوا لِمَنْ يَتْلُوهَا عَلَيْهِمْ وَهُوَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ، الْأَظْهَرُ فِي سَبَبِ قَوْلِهِمْ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَّغَهُمْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللهِ أَوْحَاهُ إِلَيْهِ لِيُنْذِرَهُمْ بِهِ، وَتَحَدَّاهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَعَجَزُوا، وَكَانُوا فِي رَيْبٍ مِنْ كَوْنِهِ وَحْيًا مِنَ اللهِ لِبَشَرٍ مِثْلِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَفِي رَيْبٍ مَنْ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَفُوقُهُمْ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ، بَلْ كَانُوا يَرَوْنَهُ دُونَ كِبَارِ فُصَحَائِهِمْ مِنْ بُلَغَاءِ الشُّعَرَاءِ وَمَصَاقِعِ الْخُطَبَاءِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَمْتَحِنُوهُ بِمُطَالَبَتِهِ بِالْإِتْيَانِ بِقُرْآنٍ غَيْرِهِ فِي جُمْلَةِ مَا بَلَغَهُمْ مِنْ سُورَةٍ فِي أُسْلُوبِهَا وَنَظْمِهَا وَدَعْوَتِهَا، أَوْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ لِمَا يَكْرَهُونَهُ مِنْهُ، كَتَحْقِيرِ آلِهَتِهِمْ وَتَكْفِيرِ آبَائِهِمْ، حَتَّى إِذَا فَعَلَ هَذَا أَوْ ذَاكَ كَانَتْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ كَلَامُ اللهِ أَوْحَاهُ إِلَيْهِ مَنْقُوضَةً مِنْ أَسَاسِهَا، وَكَانَ قُصَارَى أَمْرِهِ أَنَّهُ امْتَازَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْبَيَانِ، بِقُوَّةٍ نَفْسِيَّةٍ فِيهِ كَانَتْ خَفِيَّةً عَنْهُمْ كَأَسْبَابِ السِّحْرِ لَا بِوَحْيِ اللهِ إِلَيْهِ، وَهُمَا مَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ