وقيل : المراد بهم الملائكة والمسيح عليهم السلام لقوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَّقُولُ للملائكة أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾ [ سبأ : ٤٠ ] وقوله سبحانه :﴿ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] الآية، والمراد من ذلك القول ما أريد منه أولاً أيضاً لأن نفي العبادة لا يصح لثبوتها في الواقع والكذب لا يقع في القيامة ممن كان، وقيل : إن قول الشركاء مجرى على حقيقته بناء على أن ذلك الموقف موقف الدهشة والحيرة فذلك الكذب يكون جارياً مجرى كذب الصبيان والمجانين المدهوشين، ويمكن أن يقال أيضاً : أنهم ما أقاموا لأعمال الكفار وزناً وجعلوها لبطلانها كالعدم فلذا نفوا عبادتهم إياهم أو يقال : إن المشركين لما تخيلوا فيما عبدون أوصافاً كثيرة غير موجودة فيه في نفس الأمر كانوا في الحقيقة إنما عبدوا ذوات موصوفة بتلك الصفات ولما كانت ذوات الشركاء خالية عن تلك الصفات صدق أن يقال : إن المشركين ما عبدوا الشركاء وهذا أولى من الأولين بل لا يكاد يلتفت إليهما وكأن حاصل المعنى عليه انكم عبدتم من زعمتم أنه يقدر على الشفاعة لكم وتخليصكم من العذاب وانه موصوف بكيت وكيت فاطلبوه فأنا لسنا كذلك.
والمراد من ذلك قطع عرى أطماعهم وإيقاعهم في اليأس الكلي من حصول ما كانوا يرجونه ويعتقدونه فيهم ولعل اليأس كان حاصلاً لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب ولكن يحصل بما ذكر مرتبة فوق تلك المرتبة.
وقيل : المراد بهم الشياطين وقطع الوصل عليه من الجانبين لا من جانب العبدة فقط كما يقتضيه ما قبل، والمراد من قولهم ذلك على طرز ما تقدم.