وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (٢٩) ﴾
إذن : فالكائنات التي عُبِدتْ من دون الله تعالى تعلن رفضها لمسألة عبادتها، فإذا كان الطير ممثلاً في الهدهد قد أعلن من قبل اندهاشه من أن بعضاً من البشر قد عبد غير الله تعالى.
واستدل الهدهد على قدرة الحق سبحانه بما يخصُّه هو من الرزق، حيث يعلم أن الحق سبحانه قد عَلِمَ الخبء في السموات والأرض، إذا كان الهدهد قد عرف ذلك فالاستنكَار أمر منطقي من غيره من المخلوقات، سواء أكانت من الملائكة، أو من عيسى عليه السلام، أو من الأصنام و الأشجار والكواكب.
ولذلك نجد الحق سبحانه يضرب المثال بسؤاله للملائكة :﴿ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾ [ سبأ : ٤٠ ].
فيجيب الملائكةُ بقوله :﴿ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن ﴾ [ سبأ : ٤١ ].
والحق سبحانه وتعالى يعرض هذه المواقف في سُوَر القرآن الكريم عرضاً منثوراً مكرراً بما لا يدع للغفلة أن تصيب الإنسان، فمثلاً يقول الحق سبحانه :
﴿ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ الجن قَدِ استكثرتم مِّنَ الإنس ﴾ [ الأنعام : ١٢٨ ].
ويقول على ألسنة من اتخذوا الشياطين أولياء :
﴿ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإنس رَبَّنَا استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الذي أَجَّلْتَ لَنَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٨ ].
وقولهم هذا يتضمن الحديث عن ذواتهم والحديث عن الجن.
ولسائل أن يسأل : وكيف يأخذ الجن كثيراً من الإنس؟
ونقول : إن الحق سبحانه قد خلق الجن على هيئة تختلف عن هيئة الإنس، فجعل للجن خواصّاً تختلف عن خواص الإنس، ومن هذه الخواص ما قال عنه الحق سبحانه :﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ﴾ [ الأعراف : ٢٧ ].


الصفحة التالية
Icon