ولكن مقام سليمان قد يستمر ساعة أو بضع ساعات، والمتكلم هو عفريت من الجن الذي يعلم أن له صفات أقوى من صفات الإنس. أما الإنس العادي ممن كان حاضراً مجلس سليمان فلم يتكلم ؛ لأن المطلوب ليس في قدرته، أما الذي تكلم من الإنس فهو مَنْ عنده علم من الكتاب، فقال :﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ [ النمل : ٤٠ ].
ولم يأخذ الأمر شيئاً من الزمن ؛ لذلك عبَّر القرآن التعبير السريع بعد ذلك، فقال :﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذا مِن فَضْلِ رَبِّي ﴾ [ النمل : ٤٠ ].
إذن : فللجن قوة على أشياء لا يقوى عليها الإنس، ولم يأخذ الجنِّي خواصَّه في الخفة والقدرة ومهارة اختزال الزمن بذات تكوينه، ولكن بإرادة المكوِّن سبحانه ؛ ولذلك شاء الحق أن يُذكِّر الجن أنهم قد أخذوا تلك الخصوصيات بمشيئته سبحانه، والحق هو القادر على أن يجعل الإنس وهو الأدنى قدرة، قادراً على تسخير الجن ؛ ولذلك يحاول الإنس أن يأخذ من تسخير الجن قوة له فيقوى على نظيره من الإنس.
ولكن الحق سبحانه أصدر الحكم على مَنْ يحاول ذلك بأن تسخير الجن يزيد رَهَقاً.
واقرأوا قول الحق سبحانه :
﴿ واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الملكين بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾ [ البقرة : ١٠٢ ].
إذن : فتعليم الجن السحر للإنس دليل على تفوق قدرات الجن وتميزها عن قدرات الإنس.


الصفحة التالية
Icon