وكذلك الذين يتعلمون السحر، يقول الواحد منهم لنفسه : سوف أتعلمه لأدفع الضُّرَّ عن نفسي، ونقول له : أنت لا تضمن نفسك ؛ لأنك من الأغيار، فقد بغضبك أو يثير أعصابك إنسان ؛ فتستخدم السحر فتصيب نفسك بالرَّهق.
إذن : فحين قال الله سبحانه :﴿ يَامَعْشَرَ الجن قَدِ استكثرتم مِّنَ الإنس ﴾ [ الأنعام : ١٢٨ ].
أي : أخذتم من الإنس كثيراً بأن اعطيتموهم سلاحاً يحقق لهم فرصة وقوة على غيرهم من البشر.
وقد ذكر الحق سبحانه وتعالى لنا أن بعض البشر الذين استجابوا للجن قالوا :﴿ استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ﴾ [ الأنعام : ١٢٨ ].
واستمتاع الإنس بالجن مصدره أن الإنس يأخذ قوة فوق قوة غيره من البشر، واستمتاع الجن بالإنس مصدره أنه سوف يُعين هذا الإنسان على معصيته ؛ تطبيقاً لِقَسَمِ إبليس اللعين :﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ ص : ٨٢ ].
ولكن هذا الاستمتاع في النهاية لا يعطي أمراً زائداً عن المقدور لكل جنس ؛ ولذلك تجد أن كل مَنْ يعمل بالسحر وتسخير الجن إنما يعاني ؛ مصداقاً لقول الحق سبحانه :﴿ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾ [ الجن : ٦ ].
وأنت تجد رزق الذي يقوم بالسحر أو تسخير الجن يأتي من يد مَنْ لا يعلم السحر، ولو كان في تعلُّم ذلك ميزة فوق البشر ؛ لجعل رزقه من مصدر آخر غير من لا يعلمون السحر أو تسخير الجن.
وأنت حين ترى الواحد من هؤلاء، تجد على ملامحه غَبَرَةً، وفي ذريته آفة أو عيباً، فمنهم مَنْ هو أعور أو أكتع أو أعرج ؛ لأنه أراد أن يأخذ فرصة في الحياة أكثر من غيره من البشر ؛ بواسطة الجن، وهذه الفرصة تزيده رهقاً ؛ ولذلك فليلزم كل إنسان أدبه وقدره الذي شاءه الله سبحانه وتعالى له ؛ فلا يفكر في أخذ فرصة تزيد من رهقه.