فصل


قال الفخر :
﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّا﴾
فيه وجهان : الأول : وما يتبع أكثرهم في إقرارهم بالله تعالى إلا ظناً، لأنه قول غير مستند إلى برهان عندهم، بل سمعوه من أسلافهم.
الثاني : وما يتبع أكثرهم في قولهم الأصنام آلهة وأنها شفعاء عند الله إلا الظن والقول الأول أقوى، لأنا في القول الثاني نحتاج إلى أن نفسر الأكثر بالكل.
ثم قال تعالى :﴿إَنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
تمسك نفاة القياس بهذه الآية، فقالوا : العمل بالقياس عمل بالظن، فوجب أن لا يجوز، لقوله تعالى :﴿إَنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا ﴾.
أجاب مثبتو القياس، فقالوا : الدليل الذي دل على وجوب العمل بالقياس دليل قاطع، فكان وجوب العمل بالقياس معلوماً، فلم يكن العمل بالقياس مظنوناً بل كان معلوماً.
أجاب المستدل عن هذا السؤال، فقال : لو كان الحكم المستفاد من القياس يعلم كونه حكماً لله تعالى لكان ترك العمل به كفراً لقوله تعالى :﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون﴾ [ المائدة : ٤٤ ] ولما لم يكن كذلك، بطل العمل به وقد يعدون عن هذه الحجة بأنهم قالوا : الحكم المستفاد من القياس إما أن يعلم كونه حكماً لله تعالى أو يظن أو لا يعلم ولا يظن والأول باطل وإلا لكان من لم يحكم به كافراً لقوله تعالى :﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون ﴾
[ المائدة : ٤٤ ] وبالاتفاق ليس كذلك.
والثاني : باطل، لأن العمل بالظن لا يجوز لقوله تعالى :﴿إَنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا﴾ والثالث : باطل، لأنه إذا لم يكن ذلك الحكم معلوماً ولا مظنوناً، كان مجرد التشهي، فكان باطلاً لقوله تعالى :﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات﴾ [ مريم : ٥٩ ].


الصفحة التالية
Icon