ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة :﴿ قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ﴾ [ يونس : ١٥ ] تكملة للجواب عن قولهم ﴿ ائت بقرآن غير هذا أو بدله ﴾ [ يونس : ١٥ ] وهذا الكلام مسوق للتحدي بإعجاز القرآن، وهي مفيدة للمبالغة في نفي أن يكون مفترى من غير الله، أي منسوباً إلى الله كذباً وهو آتتٍ من غيره، فإن قوله :﴿ ما كان هذا القرآن أن يفترى ﴾ أبلغ من أن يقال : ما هو بمفترى، لما يدل عليه فعل الكون من الوجود، أي ما وجد أن يفترى، أي وجوده مناف لافترائه، فدلالة ذاته كافية في أنه غير مفترى، أي لو تأمل المتأمل الفطن تأملاً صادقاً في سور القرآن لعلم أنه من عند الله وأنه لا يجوز أن يكون من وضع البشر، فتركيب ما كان أن يفترى بمنزلة أن يقال : ما كان ليفترى، بلام الجحود، فحُذف لام الجحود على طريقة حَذْف الجار اطراداً مع ( أنْ )، ولما ظهرت ( أنْ ) هنا حذف لام الجحود وإن كان الغالب أن يذكر لام الجحود وتقدر ( أنْ ) ولا تذكر، فلما ذكر فعل ( كان ) الذي شأنه أن يذكر مع لام الجحود استغني بذكره عن ذكر لام الجحود قصداً للإيجاز.
وإنما عدل عن الإتيان بلام الجحود بأن يقال : ما كان هذا القرآن ليفترى، لأن الغالب أن لام الجحود تقع في نفي كون عن فاعل لا عن مفعول بما تدل عليه اللام من معنى الملك.
واعلم أن الإخبار بـ ﴿ أن ﴾ والفعل يساوي الإخبار بالمصدر، وهو مصدر بمعنى المفعول لأن صلة ﴿ أن ﴾ هنا فعل مبني للنائب.
والتقدير ما كان هذا القرآن افتراءَ مُفتر، فآل إلى أن المصدر المنسبك من ( أن ) مصدر بمعنى المفعول كالخَلْق بمعنى المخلوق، وهو أيضاً أقوى مبالغة من أن يقال : ما كان مفترًى، فحصلت المبالغة في جهتين : جهة فعل ( كَان ) وجهة ( أن ) المصدرية.
و( من ) في قوله :﴿ من دون الله ﴾ للابتداء المجازي متعلقة بـ ﴿ يفترى ﴾ أي أن يفتريه على الله مفتر.


الصفحة التالية
Icon