فصل


قال الفخر :
واعلم أنه تعالى لما ذكر في أول هذه الآية أن هذا القرآن لا يليق بحاله وصفته أن يكون كلاماً مفترى على الله تعالى، وأقام عليه هذين النوعين من الدلائل المذكورة، عاد مرة أخرى بلفظ الاستفهام على سبيل الإنكار، فقال :﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ ثم إنه تعالى ذكر حجة أخرى على إبطال هذا القول، فقال :﴿قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وادعوا مَنِ استطعتم مّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صادقين﴾ وهذه الحجة بالغنا في تقريرها في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة :﴿وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ وادعوا شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صادقين﴾ [ البقرة : ٢٣ ] وههنا سؤالات :
السؤال الأول : لم قال في سورة البقرة :﴿مّن مّثْلِهِ﴾ وقال ههنا :﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ ﴾.
والجواب : أن محمداً عليه السلام كان رجلاً أمياً، لم يتلمذ لأحد ولم يطالع كتاباً فقال في سورة البقرة :﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ﴾ يعني فليأت إنسان يساوي محمداً عليه السلام في عدم التلمذ وعدم مطالعة الكتب وعدم الاشتغال بالعلوم بسورة تساوي هذه السورة، وحيث ظهر العجز ظهر المعجز.
فهذا لا يدل على أن السورة في نفسها معجزة، ولكنه يدل على أن ظهور مثل هذه السورة من إنسان مثل محمد عليه السلام في عدم التلمذ والتعلم معجز، ثم إنه تعالى بين في هذه السورة أن تلك السورة في نفسها معجزة، فإن الخلق وإن تلمذوا وتعلموا وطالعوا وتفكروا، فإنه لا يمكنهم الإتيان بمعارضة سورة واحدة من هذه السور، فلا جرم قال تعالى في هذه الآية :﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ﴾ ولا شك أن هذا ترتيب عجيب في باب التحدي وإظهار المعجز.
السؤال الثاني : قوله :﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ﴾ هل يتناول جميع السور الصغار والكبار، أو يختص بالسور الكبار.


الصفحة التالية
Icon