ونحن نعلم أن الرزق هو ما يُنتفع به، والانتفاع الأول مُقوِّم حياة، والثاني تَرَفٌ أو كماليات حياة، والرزق الذي هو أصل الحياة هو ماء ينزل من السماء، ونبات يخرج من الأرض.
وهكذا قال الحق سبحانه السؤال والإجابة معروفة مقدَّماً، فلم يَقُلْ لرسوله ﷺ :" أجِب أنت " بل ترك لهم أن يجيبوا بأنفسهم.
وكذلك جاء الحق سبحانه بسؤال آخر :﴿ أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار ﴾ [ يونس : ٣١ ].
والسمع والبصر هما السيدان لملَكَات الإدراك ؛ لأن إدراك المعلومات له وسائل متعددة، إنْ أردتَ أنْ تُدرك رائحة ؛ فبأنفك، وإن أردتَ أنْ تدرك نعومة ؛ فبلمسك وببشرتك، وإنْ أردتَ أن تدرك مذاق شيء فبلسانك، وإنْ أردت أن تتكلم فبأجهزة الكلام وعمدتها اللسان، وإنْ أردتَ أن تسمع فبأذنك.
وكذلك تتجلَّى لك المرائي بعينيك، ثم تأتي إدراكات متعددة من الحواس ؛ لتُكوِّن أشياء نسميها الخميرة، توجد منها القضية العقلية الأخيرة، فالطفل أمام النار يجد منظرها جميلاً جذاباً، لكن ما إن يلمسها حتى تلسعه ؛ فلا يقرب منها أبداً من بعد ذلك ؛ لأنه اختبرها بحواسه فارتكزت لديه القضية العقلية وهي أن هذه نار محرقة، واستقر هذا لديه يقيناً.
وهكذا تكون الإدراكات الحسية إدراكات متعددة تصنع خميرة في النفس تتكون منها الإدراكات المعنوية.
إذن : فوسائل العلم للكائن الحي هي الحواس، وهذه الحواس تعطي العقل معطيات تنغرز فيه لتستقر من بعد ذلك في الوجدان ؛ فتصبح عقائد.
إذن : فمراحل الإدراك هي : إدراك حسيٌّ، وتفكُّر عقليٌّ، فانتهاء عَقَدِيٌّ ؛ ولذلك نسمِّي الدين عقيدة.
أي : أنك عقدت الشيء في يقينك بصورة لا تحلُّه بعدها من جديد لتحلّله، فهذا يُسمى عقيدة.
ولذلك حينما أراد الله سبحانه وتعالى أن يقصَّ علينا مراحل الإدراك في النفس الإنسانية ؛ ليربي الإنسان معلوماته، قال الحق سبحانه :