وقال أبو حيان :
﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾
قال الزمخشري : بل كذبوا، بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن، وفاجأوه في بديهة السماع قبل أن يفهموه ويعلموا كنه أمره، وقبل أن يتدبروه ويفقهوا تأويله ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم، وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم.
وقال ابن عطية : هذا اللفظ يحتمل معنيين : أحدهما : أن يريد بما الوعيد الذي توعدهم الله على الكفر، وتأويله على هذا يريد به ما يؤول إليه أمره كما هو في قوله :﴿ هل ينظرون إلا تأويله ﴾ والآية محملها على هذا التأويل يتضمن وعيداً، والمعنى الثاني : أنه أراد بل كذبوا بهذا القرآن العظيم المنبىء بالغيوب الذي لم يتقدّم لهم به معرفة، ولا أحاطوا بمعرفة غيوبه وحسن نظمه، ولا جاءهم تفسير ذلك وبيانه.
وقال أبو عبد الله الرازي : يحتمل وجوهاً، الأول : كلما سمعوا شيئاً من القصص قالوا ﴿ أساطير الأوّلين ﴾ ولم يعرفوا أن المقصود منها ليس نفس الحكاية، بل قدرته تعالى على التصرف في هذا العالم، ونقله أهله من عز إلى ذل، ومن ذل إلى عز، وبفناء الدنيا، فيعتبر بذلك.
وأن ذلك القصص بوحي من الله، إذ أعلم بذلك على لسان رسول الله ( ﷺ ) من غير تحريف مع كونه لم يتعلم ولم يتتلمذ.
الثاني : كلما سمعوا خروف التهجّي ولم يفهموا منها شيئاً ساء ظنهم، وقد أجاب الله بقوله :﴿ فيه آيات بينات ﴾ الآية.
الثالث : ظهور القرآن شيئاً فشيئاً، فساء ظنهم وقالوا :﴿ لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ﴾ وقد أجاب تعالى وشرح في مكانه.
الرابع : القرآن مملوء من الحشر، وكانوا ألفوا المحسوسات، فاستبعدوا حصول الحياة بعد الموت، فبين الله صحة المعاد بالدلائل الكثيرة.
الخامس : أنه مملوء من الأمر بالعبادات، وكانوا يقولون : إله العالم غني عن طاعتنا، وهو أجل أن يأمرنا بما لا فائدة له فيه.


الصفحة التالية
Icon