قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ : هَذَا مُنْتَهَى مَا تَحَصَّلَ لِي مِنْ أَلْفَاظِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخَالِفِينَ، فَقَالَ : ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ اللَّهِ هُوَ الضَّلَالُ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَهَا :﴿ فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ ﴾ فَهَذَا فِي الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ يَعْنِي لَيْسَ فِي الْأَعْمَالِ.
وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَقَالَ : إنَّ
الْكُفْرَ تَغْطِيَةُ الْحَقِّ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى.
هَذَا مُنْتَهَى السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.
وَتَحْقِيقُهُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ اللَّهَ أَبَاحَ وَحَرَّمَ، فَالْحَرَامُ ضَلَالٌ، وَالْمُبَاحُ هُدًى ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُبَاحُ حَقًّا كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فَالشِّطْرَنْجُ مِنْ الْمُبَاحِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ الضَّلَالِ ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَبَاحَ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ ضَالٌّ، وَإِنْ كَانَ الشِّطْرَنْجُ خَارِجًا مِنْ الْمُبَاحِ فَيَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، فَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الضَّلَالِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِيهِ، وَأَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُخَالِفُ النَّرْدَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إكْدَادَ الْفَهْمِ، وَاسْتِعْمَالَ الْقَرِيحَةِ، وَالنَّرْدُ قِمَارٌ غَرَرٌ لَا يَعْلَمُ مَا يَخْرُجُ لَهُ فِيهِ، كَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ.