فصل
قال الفخر :
أما قوله :﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ عَلَى الذين فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾
ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفر بقضاء الله تعالى وإرادته، وتقريره أنه تعالى أخبر عنهم خبراً جزماً قطعاً أنهم لا يؤمنون، فلو آمنوا لكان إما أن يبقى ذلك الخبر صدقاً أو لا يبقى، والأول باطل، لأن الخبر بأنه لا يؤمن يمتنع أن يبقى صدقاً حال ما يوجد الإيمان منه والثاني أيضاً باطل، لأن انقلاب خبر الله تعالى كذباً محال فثبت أن صدور الإيمان منهم محال.
والمحال لا يكون مراداً، فثبت أنه تعالى ما أراد الإيمان من هذا الكافر وأنه أراد الكفر منه، ثم نقول : إن كان قوله :﴿فأنى تُصْرَفُونَ﴾ يدل على صحة مذهب القدرية، فهذه الآية الموضوعة بجنبه تدل على فساده، وقد كان من الواجب على الجبائي مع قوة خاطره حين استدل بتلك الآية على صحة قوله أن يذكر هذه الحجة ويجيب عنها حتى يحصل مقصوده.
المسألة الثانية :
قرأ نافع وابن عامر ﴿كلمات رَبَّكَ﴾ على الجمع وبعده ﴿إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كلمات رَبَّكَ﴾ [ يونس : ٩٦ ] وفي حم المؤمن ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كلمات﴾ [ غافر : ٦ ] كله بالألف على الجمع والباقون ﴿كَلِمَتُ رَبّكَ﴾ في جميع ذلك على لفظ الوحدان.
المسألة الثالثة :
الكاف في قوله :﴿كذلك﴾ للتشبيه، وفيه قولان : الأول : أنه كما ثبت وحق أنه ليس بعد الحق إلا الضلال كذلك حقت كلمة ربك بأنهم لا يؤمنون.
الثاني : كما حق صدور العصيان منهم، كذلك حقت كلمة العذاب عليهم.
المسألة الرابعة :
﴿أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ بدل من ﴿كلمت﴾ أي حق عليهم انتفاء الإيمان.
المسألة الخامسة :
المراد من كلمة الله إما إخباره عن ذلك وخبره صدق لا يقبل التغير والزوال، أو علمه بذلك، وعلمه لا يقبل التغير والجهل.