وقال أبو حيان فى الآيتين :
﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾
فذلكم إشارة إلى من اختص بالأوصاف السابقة، الحق الثابت الربوبية المستوجبة للعبادة، واعتقاد اختصاصه بالألوهية لا أصنامكم المربوبة الباطلة.
وماذا استفهام معناه النفي، ولذلك دخلت إلا، وصحبه التقرير والتوبيخ، كأنه قيل : ما بعد الحق إلا الضلال، فالحق والضلال لا واسطة بينهما، إذ هما نقيضان، فمن يخطىء الحق وقع في الضلال.
وماذا مبتدأ تركبت ذا مع ما فصار مجموعهما استفهاماً، كأنه قيل : أي شيء.
والخبر بعد الحق، ويجوز أن يكون ذا موصولة ويكون خبر ما، كأنه قيل : الذي بعد الحق؟ وبعد صلة كذا.
ولما ذكر تعالى تلك الصفات، وأشار إلى أنّ المتصف بها هو الله، وأنه مالكهم وأنه هو الحق، ثم وبخهم على اتباع الضلال بعد وضوح الحق قال تعالى : فأنى تصرفون، أي كيف يقع صرفكم بعد وضوح الحق وقيام حججه عن عبادة من يستحق العبادة، وكيف تشركون معه غيره وهو لا يشاركه في شيء من تلك الأوصاف.
واستنباط كون الشطرنج ضلالاً من قوله : فماذا بعد الحق إلا الضلال، لا يكاد يظهر، لأنّ الآية إنما مساقها في الكفر والإيمان وعبادة الأصنام وعبادة الله، وليس مساقها في الأمور الفرعية التي تختلف فيها الشرائع، وتختلف فيها أقوال علماء ملتنا.
وقد تعلق الجبائي بهذه الآية في الرد على المجبرة إذ يقولون : إنه تعالى يصرف الكفار عن الإيمان.
قال : لو كان كذلك ما قال : أنى تصرفون.
كما لو أعمى بصر أحدهم لا يقول : إني عميت.
كذلك الكاف للتشبيه في موضع نصب، والإشارة بذلك قيل : إلى المصدر المفهوم من تصرفون، مثل صرفهم عن الحق بعد الإقرار به في قوله : فسيقولون الله حق العذاب عليهم أي : جازاهم مثل أفعالهم.
وقيل : إشارة إلى الحق.